شامي كابور... الألم الراقص

ثقافة 2023/01/11
...

جودت جالي

بعد مصادفة جعلتني أحظى بكتاب عن السينما الهندية أعادني إلى قراءة مقالات محفوظة عندي ومشاهد من أفلام، تأملت في شخصية وسيرة واحد من الفنانين الذين كانوا الشغل الشاغل لنا في طفولتنا ومراهقتنا وشطر من شبابنا. كان صعود شامي كابور (1931-2011) إلى قمة النجومية صعودا فريدا بكل المقاييس (وهو الأوسط في ثلاثي النجوم الخالد راج وشامي وشاشي وثلاثتهم ينتمون إلى عائلة يمارس أبناؤها شتى أنواع الفنون).

بعد 18 فيلما لم يحقق فيها شامي نجاحا كبيرا وأتته الفرصة عندما اختلف الكاتب والمخرج (ناصر حسين) مع ديليب كومار وافترقا فاختار شامي كابور بديلا وأطلقه في أول فيلم رسخ شخصيته الفنية سنة 1957 والتي تعتبر النقيض لشخصية ديليب كومار.

أدرجته (نسرين موني كبير) ضمن كتابها (أعظم عشرين نجما في تاريخ السينما الهندية) بوصفه حائزا على كل شروط النجومية بالمواصفات الغربية، ويتمتع بالجاذبية الفطرية لألفيس بريسلي.

قالت الممثلة والراقصة ممتاز سنة 1968 إنه لن يأتي شامي كابور آخر أبدا.

إنه ليس امتدادا لديليب كومار كما قيل، وصحيح، كما بين الصحافي والناقد السينمائي الهندي رؤوف أحمد (في كتابه شامي كابور مغير اللعبة- 2017)، أن الرجلين لعبا أدوارا مدينية لها ملامح متشابهة وأن شامي كابور لعب أدوارا صممت لديليب أولا ثم أصبحت من نصيبه بعد تخلي ذاك عنها، غير أن لشامي كابور طريقة في الرقص وكأنه يفرغ طاقة جبارة حبيسة وضغطا جسديا وبالتعبير الذي صاغه الفرنسي هنري بيرجسون (élan vital) الوثبة الحيوية، القوة الحيوية، قوة الحياة، مجسدة هنا في رقص شامي كابور.

لقد شاهدت رقصات لشامي كابور يتجاوز فيها حتى حواجز الأمان الضرورية للممثل كقفزته من جدار لجدار بدوران في نفس الوقت لامّاً ساقيه تحته.

عندما يرقص شامي فهو يرقص بالمعنى الحقيقي لكلمة رقص.

رقص يتجاوز الإيقاع التقليدي والحركات النمطية لديف آناناد.

قال شامي كابور مرة: “إن صوت أية موسيقى يثير فيّ حافزا قويا للرقص.

الإيقاع لا يأخذ وقتا طويلا ليتسرب إلى نفسي ويسعى إلى تعبير بالرقص.

لطالما رأيت الرقص بوصفه تعبيرا مرئيا عن الموسيقى. إن الدافع للرقص كان نائما فيّ لفترة طويلة”. لقد تجاوز ممثلين با

رزين هيمنوا على الشاشة قبله أمثال (ديليب كومار) و(ديب أناند) وشقيقه الأكبر راج كابور الذي اختط لنفسه أسلوبا خاصا، وقد كان ديليب كومار هو العاشق المأساوي، الروح المعذبة، هو النسخة الرجالية من (مينا كوماري) قبل أن تظهر مينا كوماري.

من الجدير بالذكر أن الرقص ليس غير جانب واحد من جملة جوانب، مواهب، تمتع بها راقص الألم، فهو متقمص حالة من الطراز الأول، في لقطة واحدة يستطيع أن يُضحكك وأن يُحزنك الى حد الفجيعة، في تعبير من تعابير وجهه أثناء لقطة مقربة.

يستطيع أن يقنعك بإداء دور السائق واللص والجنتلمان وطائفة واسعة من الأدوار تحتاج الى ثقافة موسوعية وسعة اطلاع ومعايشة اجتماعية لجميع فئات الشعب، وممارسته لفن التمثيل بروح الهاوي وشغفه جعلته إلى النهاية خارج النمطية التي قيدت مواهب ممثلين هنود كثيرين، جعلته خارج النمطية إلى حد الانفلات الذي يجعل الموهبة تتوهج (فيلم برعم كشمير سنة 1964 للمخرج شاكتي سامانتا (1926 - 2009) الذي أطلق الممثلة شارميلا طاغور في أول دور لها.

يستطيع في الفيلم الواحد كشقيقه الأكبر راج أن يعطيك جملة من الشخصيات، أو جملة من الحالات، ويكون فيها متفوق الأداء بحيث يمر خلال الفيلم بمواقف كوميدية ومأساوية ومرحة وباكية وراقصة بانسيابية من دون أن تشعر باللحظة النشاز بل ينتهي الفيلم وأنت معه على المستوى نفسه من التفاعل، سعيدا أو مكفكفا دموعك.

أفلام شامي كابور كمعظم الأفلام الهندية درامية ذات صيغة تجمع بين الترفيهية واستدرار التعاطف مع الشخصيات في مواقف مأساوية والنمطية في نوعية الأدوار ومستواها برغم اختلاف قصص هذه الأفلام، فهي عادة مكونة من حكاية رئيسية تسرد لنا قصة عاشقين من بيئتين وطبقتين مختلفتين على الأغلب يواجهان الصعوبات المعتادة في المجتمعات الشرقية التي تعيق اجتماعهما في حياة زوجية سعيدة، ومعها نجد الخلطة المعتادة من ظلم اجتماعي ومسرات مختلسة والمصائر الفردية ولكن القضية هنا ليست هذه، ليست نمطية صناعة سينمائية، ومستوى فنيا متواضعا أو غير متواضع، بل هي شامي كابور ذو المواهب الخارقة الذي لن يتكرر.