الإيكولوجيا فلسفة أم نقد أم إيديولوجيا ؟

ثقافة 2023/01/11
...

عبد الغفار العطوي 

الإيكولوجيا اليوم أصبحت جانباً حاسماً من جوانب الجدال العالمي ، وتصدر مصطلح ( الإيكولوجيا) منذ الربع الأخير من القرن العشرين أهم مفصل من مفاصل الدراسات الإنسانية الثقافية التي تدور حول العلاقة بين الإنسان والطبيعة ، لكنه في العموم قد أثار مشكلات متعددة من كونه يمثل حركة  مغايرة ومختلفة من حركات العصر الحالي في طابعه الحداثي وما بعد الحداثية ، التي حملت خصيصة التعدد في المهمات  والأغراض من منظور الصلة بين مؤثرات البيئة والبيئة البشرية

لنجده يحمل تساؤلاته التي أحدثتها  تلك المشكلات، من خلال صعوبة تعيين موقعه المنهجي  والمعرفي، من ناحية أنه يعني فلسفة الإنسان  الملتزم  بفهم العلاقة بينه وبين ما حوله من طبيعة جعلها تمر بخطر التغير، مما يحمله تبعة أن يجد حلولاً لهذه المشكلات، من جانب آخر في اعتقادنا أن ما  يمثل الاتجاه الإيكولوجي الثاني هو النقد المعروف بالنقد البيئي، وهو حقل معرفي يختص بدراسة  العلاقة بين الأدب  والبيئة من وجهة نظر متعددة الاختصاصات، من خلال تحليل أعمال المؤلفين والباحثين والأدباء، بما يتعلق  بقضايا الطبيعة، فالنقد البيئي هو مصطلح  شامل لسلسلة  من المقاربات النقدية التي تتحرى من خلال الأدب وغيره من الأشكال الثقافية الأخرى تمثيل العلاقة بين البشر  وغير البشر من منظور القلق  حول التأثير المدمر  للبشرية  في المحيط الأحيائي، لكن هناك اقتراحا ثالثا له يشمل الإيديولوجيا ، لا سيما في نطاق السياسة ، فهناك عدد  من المشكلات للتعامل مع الإيكولوجيا بوصفها إيديولوجيا سياسية، ويعرف هذا الاقتراح السياسي  بـ( الخضر)، وكان الطابع الغالب في الحركات السياسية في الغرب أنها قد حملت مفهوم الأحزاب الخضر ، وهي تقترن بمصطلح الإيكولوجيا السياسية التي انصبت حول الطبيعة، وضرورة الاهتمام بها ، لكن كل تلك الاختلافات التي مورست تحت عناوين (البيئة والبيئة البشرية) اضطر مناصروها إلى    أن يلجؤوا إلى وضعها تحت العنوان الأشمل (الإيكولوجيا) لكن بقاء الباحثين الإيكولوجيين في عزلتهم المنهجية باعتبار الإيكولوجيا من أحدث الحركات الثقافية التي برزت في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، وتوسع استخدامها في تمام العقد الأول من القرن الواحد والعشرين.

ظل النقد البيئي  أشهر معطيات الإيكو ، لاتصاله بالنسوية، لأنهما نميا واستويا على مرجعية واحدة ، قادتها نسوة، فالنقد البيئي النسوي نقد هجين يربط بين النقد البيئي الإيكولوجي ، والنقد الأدبي النسوي، أما لماذا هذا الاصرار على القول بأن مرجعية الإيكو نسوية ؟ ففي  دراسة النقد البيئي ، ينظر إلى الستينيات من القرن الماضي  في علامة  لبداية نوع  من الوعي البيئي إبان نشر كتاب (ربيع صامت) عام 1962 لراشيل  كاريسون الذي اعتبر  بداية المذهب البيئي، لذا يؤكد الباحثون على أن النقد  البيئي النسوي  استجاب  إلى اثنتين من الحركات  الحاسمة لعقدي  الستينيات والسبعينيات، هما حركتا الحقوق المدنية والنسوية ، وقام بوضعهما ضمن إطار النقد البيئي ، لكن الانهماك بهذا الاتجاه وحده لم يكن كافياً في الممارسات النقدية البيئية، التي ذهبت نحو القول إن ثمة شعوراً مشتركاً ضمن حدود النقد البيئي بأننا نعيش في عصر الأزمة  البيئية التي تتطلب إعادة تقييم ملح لصيغ الوجود في العالم .

في كتابها (النسوية وما بعد النسوية) وضعت سارة جامبل فكرة ما بعد النسوية وفق  فلسفة المحنة التي عاشتها مقاربة التشكيك في أن التشكك  في قدر منه راجع إلى أن مكونات ما بعد النسوية على وجه التحديد خارج نطاق التعريف الإعلامي، لذا فالاقتران بين النسوية والفلسفة، كان من أجل الاقتران بين النسوية والإيكولوجيا، ولعل جذور النقد البيئي ظل أفضل دليل على مدى ما  قامت به الفلسفة البيئية من ترسيم تاريخ لم يعتمد على الممارسات اللغوية وحدها ، بل تجاوزها نحو الممارسات المادية المختلفة، كان عليه أن يخلق  بصورة كبيرة الفضاء النظري الذي يناقش فيه ذلك (الفضاء المادي العام) فركزت  الموجة الأولى للنقد البيئي في الولايات المتحدة ، وبالذات في كتاب ( الخيال البيئي ) الذي صاغه لورنس  بويل على  التمثيل في الأدب العالمي ، في ما وراء النص، وفي الموجة الثانية يكون الجدل حول الطبيعة أكثر تجذراً في كتابات لورنس بويل  على الرغم  من أنه  يعد  المحرض  على فكرة الموجات  النقدية البيئية ، إلا أنه يؤهل مجازه موحياً بأن الموجات غير مميزة ويقدم ( اللوحة التي يكتب فيها أكثر من مرة كمجاز أفضل ، لكن بدورنا قد لا نلم بالإيكولوجيا  في هذه المقالة الموجزة ، لأن الألمام بحركة واسعة شاملة وعريضة تتدخل في الطبيعة والطبيعة البشرية يمثل صعوبة في فهمها، خاصة لدينا نحن إزاء شحة المصادر الأجنبية غير المترجمة التي تتناولها ، مع حداثتنا في استيعاب مشكلاتها الوافدة علينا، بحيث لا نستطيع أن نميز بين موضوعاتها، في مجالاتها في الفلسفة والنقد والإيديولوجيا، وللحركة الإيكولوجية سياسياً وفلسفياً على السواء ، اتجاهان عريضان  يتسمان بمكون وسيط كبير، ولعل ما عرضه اندرو فينسينت في كتابه  الإيديولوجيات السياسية الحديثة ج2 حول الإيكولوجيا كان مختصرا جداً لدرجة الارتباك، مما أدى إلى التشويش على القارئ العربي  الذي قد  لا يستوعب  مشكلات الإيكولوجيا  باعترافه في آخر الفصل ( الفصل الثامن ص 77) كما لفت إليه  معد ومترجم كتاب (النقد البيئي مقدمات مقاربات تطبيقات نجاح الجبيلي) بيد أن هذا الحقل الفكري الجديد الذي يشق طريقه الآن  في القرن الواحد والعشرين لا نحتاج لدراسته، وتعميق ممارساته الثقافية في المجال الأدبي أو الفكري  فحسب ، إنما تعويمه في جميع مرافق حياتنا المادية والعلمية.