أمامَ تمثالِ السيّاب

ثقافة 2023/01/11
...

أحمد عبد الحسين

وجهي مغلوبٌ

فإلى مَ يتوجّه المغلوبُ إلّا إلى مغلوبٍ مثلِهِ.

أقولُ للسيّابِ: هذه بلادٌ هشّةٌ، إذا أدرتَ عينَك إليها بدتْ مثل جرارٍ تنضحُ أجراساً في المغيب، بلادُكَ مرعوبةٌ مثل كتابٍ يتوعّدُه كاتبُه بالمحوِ، وهؤلاءِ الناسُ أسرى عقائدِهم، يتساقطون أمامَ تمثالِك، بعضٌ من الرعب وآخرون من الدنس، وربُّهم يوسوس في كلّ بيتٍ أنْ تهدّمْ يا بيتُ من أجل ميثاقك القديم. 

أمامَك على رصيفٍ سكرانَ أسألُ بائعَ الشايِ عن فساد التدبيرِ في أصلِ الخلقِ فيضحكُ، أسألُه عن أربابٍ مقتولينَ في صريرِ الأقلامِ فيبكيْ. وأعجبُ مِنْ هذه البلادِ الهشّةِ: ما أكثرَ الطرقَ فيها لمنْ لا يريدُ السفر.

أقولُ لصبيٍّ عابرٍ: وجهيْ مغلوبٌ يا ابن أخيْ، وبين كلّ عابِرَينِ مكتبةُ أخطاءٍ إنْ لم أحفظْها ذبحوني. يقولُ: مَنْ قالَ لكَ تمشيْ في بلادٍ مهزومةٍ وتتعثرُ بأنواطِ شجاعتِك.

أمامَك أبكيْ ساعةَ أقدرُ أن أضحكَ، وأطبقُ فميْ على ما لا يقالُ، 

ومن بعيدٍ،

من بعيدٍ أسمع هسيسَ النارِ التي أكلتْ حياتي.



أمسِ جاءَ اللصوص


جاء اللصوصُ وذهبوا

سرقوا الصقرَ الأعمى الذي حنّطناهُ ليُبعدَ عنّا اللصوص.

الصفحةُ الأخيرةُ من كتاب المواثيقِ، مزّقوها

قنديلُ الأنفاسِ المعلّقُ في أعلى النخلةِ، أطفأوه

لوثوا الهواءَ المعطّرَ في قُفلِ الباب، 

دنّسوا خاتمَ الغدِ وقطعوا الخُنصرَ الذي فيه الخاتمُ، 

ثمَّ 

يا للأسى 

أحرقوا أقفاصَ الفجرِ الكبيرةَ وأطلقوا منها الليلَ والنهار.

جاء اللصوصُ وذهبوا

أفرغوا سورةَ الكوثرِ من الماءِ

قهقهوا أمامَ صورةِ الإمامِ على الحائطِ حتى بكى الحائطُ والإمامُ،

زرعوا أقنعةً سوداءَ تحتَ السريرِ واقترعوا على هواءِ الحديقةِ،

بلبلوا الأرواحَ الساهرةَ في دوارقِ النحاسِ،

أفسدوا خمسينَ عاماً من الزينةِ الحقِّ،

ثمّ

يا للأسى

سرقوا منّا إبريقَ الضوءِ

سرقوا الطشتَ الذي كنّا نشطفُ فيه قلوبَ الأطفال.

حين جاء اللصوصُ

كان أبناؤنا ينعسون 

وكنّا نغنّي لهم أغنيةً عن الأسى

عن صقرٍ أعمى حنّطناه ليُبعدَ عنّا اللصوص.