رسالة اليوم العربي للمسرح 2023

ثقافة 2023/01/11
...

 حيدر عبدالله الشطري

اختارت الأمانة العامة للهيئة العربية للمسرح الفنان المسرحي العراقي د. جواد الأسدي لكتابة وإلقاء رسالة اليوم العربي للمسرح أمس الثلاثاء، تقديراً لدوره الريادي في مسيرة المسرح العربي وجهوده الكبيرة في إرساء دعائم هذا المسرح في كل المناسبات، فجاءت هذه الرسالة التي نشرتها الهيئة العربية للمسرح والتي تطرزت وتشكلت على هيئة تعبيرات للتحايا والتبريكات للمسرح وخشبته والمشتغلين فيه ولطرقه وأساليبه ومدارسه ومذاهبه ولسككه البعيدة والقريبة، تحايا لدهشة المسرح وابتكاراته ودلالاته ومعانيه المستترة والظاهرة، وتبريكات للأمل الذي يسير معه والحنين الذي يغلفه والنور الذي يكتسيه.

فكانت الرسالة احتفاءً بالجمهور العريق الذي يتدافع على شبّاك التذاكر عند أبواب المسارح وبممثليه الذين يلعبون على أديم خشبته أدواراً تذكرهم والاخرين بالإنسانية التي ينتمون اليها، حتى تصل الرسالة إلى إثارة الكثير من الأسئلة التي ابتدأها الفنان الأسدي بـ (هطول السخام في ذلك اليوم الأرعن) وكيف بدأ ذلك اليوم وفي أي صباح كانت بواكيره عندما انزاحت الحياة الحرة والتاريخ الجمالي عن سكك حديد التنوير وعندما سقطت البلدان في عاصفة العدم وانطفاء جذوة الثقافة حتى يصل إلى السؤال الأكبر والأعظم (نكون أو لا نكون) ذلك الذي شغل المسرح كثيراً واشتغل فيه أكثر، والسؤال هنا كيف سنكون؟: (عقلانيين، كينونيين، مدنيين، جماليين، معرفيين أم أميين...؟ محشورين على جبل الهاوية في عين قناصي الحرية يمضغون الرصاص والجمال الميت...؟ هل سنكون في الشوارع المترمدة بالأبناء قديسي الحروب ... ؟).

وبعد إثارة كل تلك الأسئلة تعود الرسالة في نصّها المرسل إلى تكريس حفلة التحايا والتبريكات، فلا يمكن لمرسلها الأسدي إلّا الاحتفاء بـ (الكتابة وأساطينها، وهم ينزاحون في نصوصهم عن تدوين وابتكار شخصيات ماتت وتحولت إلى كليشيهات السوق الموارب). 

وكذلك الإشارة إلى (الإخراج والمخرجين وهم يطبخون شكسبير وجان جينيه وبيكيت ومارلو وبولغاكوف على نار بصريّة مبتكرة هادئة في موقد ناري لين وطري، حيث يضاء العقل وتسمو الروح).

ولا بدَّ أيضا من التلميح إلى (الممثل، روح المسرح وسر أسراره، وهو يعيد كتابة صوته وجسده بكثافة تعبيريّة وإشاريّة مبتكرة بعيداً عن متحف السوق ومجانية التمثيل السوقي، محلقاً بروح إنسانيّة رفيعة).

ولم تكن كل تلك التحايا والتبريكات إلّا تراتيل مؤثرة وجليلة في معابد أسئلة الروح الملتاعة الكبرى وحيرتها صعوداً إلى نهار دموع الأحزان، إنّها أسئلة تثير الشجون وتدعو إلى التأمل والتفكير في حال الإنسانيّة وما آلت اليها، وما هو دور المسرح عند ذاك إلّا العودة إلى روحه السامية التي تطوف في هذه الأمكنة محلّقة في سمائها تنير الظلمة وتبعث الأمل.

وتنتقل الرسالة في جزئها الثاني من متنها الخطابي الإشارة للسقوط في حضرة الظلمة ونضج طبخات الجهل والنزاعات الطائفيّة، والتي أدت إلى هجرة أعداد كبيرة من الفنانين إلى بلدان أخرى غير بلدانهم تاركين وراءهم كل شيء، مما أدى إلى نتائج كارثية في وقوع الكثير منهم في هاوية اللا جدوى، وهم يلوكون أحلامهم ومستقبلهم تحت ظلال الأمل الميت، وكل ذلك يحاط بسؤال مهم وضروري وهو: هل أنها السلطة الثقافية الجديدة التي تتحمل وزر ذلك...؟

حتى تنتقل الرسالة إلى وصف حالة التلقي المسرحي في هكذا مناخات موبوءة.. حتى ساد التردي فيها، وعندها تأسست فجوة كبيرة بين الرغبة في النهوض الجمالي والتدني المعرفي في ثقافة الجمهور، وعندها وصلت الحالة إلى انعدام الأسس الجماليّة والفلسفيّة التي تساعد الناس على إعادة كتابة موروثهم ومستقبلهم.. وهنا يصل كاتب الرسالة إلى حقيقة أنّه (لقد تمت إدارة عنق اللذة والمتعة نحو المعدة وليس الرأس المشتعل بالفنون).

فمن هو المسؤول عن ذلك...؟

تلك هي جذوة السؤال المعرفي والحاجة إليه، وأنه الشغف بإثارته والرغبة بالإجابة عنه من قبل من  يشتغلون في روح المسرح وأسراره، ولكن هذه المرة ستثير الرسالة هذا السؤال بلا معقوليّة غالبة وعبث متسلّط.. سؤال أثير هكذا بفنتازيا عالية تقترب من الألم وتضع اصبعها عليه بهذه الصورة. 

(ها هو الممثل الكوني، يجر وراءه شعوباً من الكورونا وعربات النصوص ونبوغ الممثلات والممثلين، المخرجين والسينوغرافيين، وكشافات ضوئية وملابس وجمهوراً حاشداً عتيداً، الآن أراه متفحّماً وسط عاصفة التصفيق المر أمام دار الأوبرا قرب البرج الذري، يجالس الشعاع النووي، بينما يتمرن ماكبث على الفوطبول، يلاعب لحية دستويوفسكي، ويحلق رأس مال كارل ماركس، يطري سخط بولغاكوف).

 فمتى سيكون موعد الثورة...؟ وعن أي مسرح وأي ثقافة سنتحدث...؟ وهل الدروب سالكة....؟ ومن يجيب عن كل تلك الأسئلة...؟، لا.. من أنه سيكون المسرح الذي نبحث عنه دوماً ونتطلع اليه كثيراً، والذي سيكون واحة للأجوبة التي لا يعرفها الكثيرون غير المشتغلين

فيه..!

وهكذا ينهي الفنان جواد الأسدي خطابه المثير بعاصفة من الأسئلة التي تتلخص بـ (هل من أنشودة لأمل منشود...؟

هل من مطر على أرض تعيد خصوبتها...؟ 

هل من غيم يلقي على البشرية سلاماً أليفاً وشعوباً آمنة...؟

هل من عاصفة تكنس الجهلة ولصوص الخراب...؟

هل من شمس تشعل العالم برقصة كونية وبشرٍ كونيين، شغوفين ومغرمين...؟).. إنه المسرح المتفرد تحت شجرة النور في كوكبنا الطيب الذي يتوسل الرحمة والعطف... نعم... إنه المسرح...!