المواطنة الحقّة

آراء 2023/01/12
...

  وجدان عبد العزيز


كما نعلم أن الحياة التي يعيشها الانسان تتميز بسرعة وتيرتها وأحداثها، لدرجةٍ يصبح معها الإنسان دائم القلق، والانفعال، والتوتّر، والخوف، إضافة إلى استمراريّة التفكير في ما مضى وما هو آتٍ، وبالتالي عدم القدرة على الاستمتاع بالحياة التي خلقها الله سبحانه وتعالى، فكل تغيير لا بدّ من مصاحبته بمنظومة تربوية تنهض بأعباء محاولة توجيه الذهنية الاجتماعية والتخلص من أمراض المرحلة السابقة، كأمراض التسلط والتعسف والاستحواذ على المنصب الرسمي مثلا، وتحويله لأغراض شخصية وفئوية لا تخدم مؤسسات الدولة.. اذن إن الخط العام في بناء المؤسسات للدولة العراقية وفق الدستور، هو تبني الديمقراطية بمنظومات آلياتها المحايدة في تداول السلطة وممارستها على أساس الاختيار الشعبي، أي صناديق الانتخابات.. وأيضا محاولة التخلص من الثأرية، وهو مرض خطير يؤدي إلى سلسلة من العنف المستمر، مهددا استقرار النظام الديمقراطي، وكذلك هناك مرض آخر لا بد من الالتفات له، وهو الطائفية التي كادت أن تعصف بالدولة عقب سقوط الصنم في 9/4/2003 وأيضا التحزب والقومية العنصرية كل هذا أمراض لاتستقيم العملية الديمقراطية بدون التخلص منها، لذا جاءت دعوات المصالحة من خلال تنامي الوعي لدى المسؤول والمواطن لترميم النسيج الاجتماعي والتوجه لبناء دولة القانون والمؤسسات، لأنها تحمي المسؤول والمواطن معا ويكون التوجه كاملا لبناء حضارة وكيان شعب وصناعة سلام، كالشعب العراقي الذي تحمل أوصاب وويلات هذه الأمراض.. اذن عملية الحوار الوطني هي أحد أساسيات البناء السياسي مع الأسس التي يتطلبها قيام حكم ديمقراطي يأخذ بتلابيب الرأي والرأي الآخر، وحفظ الحقوق للجميع ضمن موازنة الواجبات والحقوق، وبالتالي هي تعبير عن رغبات أكثرية المواطنين، الذين يهدفون للتخلص من أمراض الماضي والتوجه بوسائل قانونية تحافظ على التعايش السلمي بين جميع أطياف الشعب، إذن نحتاج لحوارات وطنية حقيقية تقبل بالجميع، إلا من تلطخت يديه، بجرائم دم واعتداء على كرامات الآخرين ببغيٍ وظلم وجرائم الابادة الجماعية، ثم الالتفات بنباهة للعناصر الخبيثة التي تحاول عرقلة هذا، بسبب أنها لا تحمل الدالة الوطنية وحب العراق الواحد، بل تتصيد بالماء العكر وبحجج دعم المقاومة، وهي الإرهاب والإرهاب الإسلامي المتطرف وقوى الجريمة والخارجين عن القانون، وعلى حكومتنا الحالية أن تعمل بجدية مضادة لهذا الأمر، ومن خلال معالجات جدية والدأب نحو تعزيز التحالفات وتنظيف الخط الحكومي من عناصر التشويش التي أشرنا لها، ومحاولة تطوير القوات المسلحة وتنقيتها من الاختراقات في صفوفها والقيام كما قلت بحملة توعية مضادة للإرهاب وتنشيط العمليات المناهضة لها، والعمل الجاد في إنجاز مشاريع الخدمات وتوفيرها للمواطن المحروم طوال تلك السنوات العجاف والقيام بالاستثمارات وتوفير فرص العمل لتقليص البطالة، فالبطالة مرض وآفة كبيرة قابلة أن تتبناها قوى الإرهاب والجريمة، ولا بدّ لنا أن نسجل أيضا الحالة الايجابية في البناء الديمقراطي واكتمال الحوار الديمقراطي هي توجه الحكومة لبناء علاقات تعاون على أساس احترام المصلحة الوطنية مع الدول العربية والدول العالمية، حتى أن المبادرات الدبلوماسية العراقية، قد نجحت في تعزيز موقع العراق ودعمه دوليا وكل هذا يصب في خانة الحالة الوطنية، ولمّ الشّمل وإعادة النسيج الاجتماعي وتخليصه من الإمراض، وهكذا تأتي كل الحوارات الوطنية في بناء دولة القانون والمؤسسات ودولة الحقوق والواجبات ودولة التعايش السلمي وقطع دابر الأعداء، كل هذا يتم بتبني الآليات الديمقراطية الصيغة العصرية في بناء الدول والتخلص من العنف بأشكاله وعلى الحكومة، وهي الطرف المعني الأكثر قربا من نبض الشعب ومن المصالحة الوطنية أن تستعمل المرونة مع القوى، التي تعارض والحزم والشدة مع قوى الإرهاب والجريمة، التي تقتل بدم بارد أبناء الشعب، وهذه المبادئ تؤدي إلى الفهم الصحيح للديمقراطية، التي تقلل من الاستثناءات وتزيد فرص المشاركة في بناء الدولة.. وكل هذا يتحقق بشرط قيام ديمقراطية دستورية، تتمثل في القبول المجتمعي لمبدأ المساواة السياسية بين المواطنين، وتعميق الشعور بالمواطنة الحقّة التي تحافظ على كرامة الانسان وحقوقه، وهذا ما توصلت له الإنسانية (وأقرّته في الاعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تقول مادته الاولى “يولد الناس احرارا متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا جميعا عقلا وضميرا وعليهم ان يعامل بعضهم بعضا بروح الأخاء»).