مسرح الشارع.. هل سيكون المسرح البديل في العراق؟

ثقافة 2023/01/12
...

 استطلاع: د. بشار عليوي

ما هي تأثيرات مسرح الشارع في الجمهور العراقي حتى يحظى بهذا الاهتمام الواسع داخل البلاد؟ كيف يمكن للمؤسسات الفنيَّة الرسميَّة منها والمدنيَّة أن تفعل حضور مسرح الشارع؟، هل سيكون مسرح الشارع هو البديل المسرحي؟، ما هي مشكلاته، هل يغري شهيّة الكتاب المسرحيين بُغية كتابة نصوص خاصة له؟، ما هي مواصفات النص المكتوب؟ ما نوعيّة جمهوره؟، عن هذه التساؤلات العديدة وغيرها حاورنا عدداً من الفنانين والباحثين المسرحيين.

الباحث المسرحي د.عامر صباح المرزوك، قال إنه “يتوجب علينا الاعتراف أنَّ الكثير من المسرحيين العراقيين لا يزالون لا يعترفون بأهمية مسرح الشارع ودوره وتداوله وانتشاره في أنحاء العالم كافة، وهذا بدوره قد انعكس على ظاهرة التأليف المسرحي لمسرح الشارع وكتابة نصوص له داخل العراق”. ويرى أنَّ فن الارتجال كان هو المساعد والساند الأكبر لمسرح الشارع في بداياته العربية على الأقل، ومن ثم بدأ الكتاب يكتبون النصوص التي أيضًا يكون الارتجال جزءاً كبيراً منها. وأضاف: وعليه لا بدَّ من الاهتمام بالتنظر للنص المسرحي والحاجة الملحة له اليوم على وفق انتشار نشاطات مسرح الشارع كعروض، ومهرجانات، وورش، وندوات. وتابع الدكتور المرزوك: تكمن اشكاليّة الكتابة لمسرح الشارع في العراق لكونه يقدم في مكان عام، ولذلك يكون عرضه لتدخل الجمهور والتفاعل معه من دون قيود رسميّة، وهذا يدفع المشاركين في أحيان كثيرة إلى الارتجال. 

ويرى الفنان د. كريم خنجر أنَّ الجسد والوقت والتشكيل الجمالي والفكرة أهم ما يختص به النص المسرحي للشارع؛ لذا علينا أن نؤكد على تلك الخصوصيّة في العراق كي يكون هو البديل. 

ويعد الجسد، بحسب خنجر، هو الصفة الظاهريّة للإنسان والذي من خلاله يستطيع أن يبث العلامات المشكلة الصورة الخارجيّة من خلال الفعل. وأضاف: نحن لا نرى الشعور الداخلي للإنسان إلا من خلال التمظهرات الفعلية لتشكيل صورة مرئية وتكوينها من خلال أفعال الجسد، إذ يعد الجسد نسقاً قائماً على أنتاج الأشكال والصور غير المنتهية بالتعبيرات الفعلية، والذي يخلق تواصلا مع المشاهد عبر التكوين الصوري لأحداث يومية يقدمها في اللحظة الزمانية، “ان الجسد هو الذي تنقش عليه الأحداث نفسها، والذي تقتفي آثارة اللغة، وتقوضه الأفكار”. 

 وحددَ الباحث المسرحي د. حبيب ظاهر أسباب ندرة نصوص مسرح الشارع في العراق بأنّها متأتية من كون مسرح الشارع، رغم أنه أصيل ويعد الجذر الأساسي للمسرح ومنه امتدت ثماره إلى عموم العالم، وزرعت ألوانا عديدة من المسارح. 

 وأقصد بالجذر هو (ثيسبس) اليوناني الذي يعرض على عربته في ساحات وشوارع أثينا، فنصوص مسرح الشارع تعود إلى أن النص يأتي عن ثيمة متفق عليها ويتم الارتجال في محيطها والكاتب المسرحي يجب أن يكون جزءاً من فريق العمل لغرض التبويب والتنظيم. فالكاتب يفترض ان يتواجد مع الفرقة كما أن مسرح الشارع يقوم على التفاعل، وعليه يحتمل ان تذوب كلمات النص في طيات تفاعل طرفي معادلة التلقي (المؤدي/ المتلقي).  ومن جهة أخرى يعتقد بوجود ندرة نصوص لفرقة الشارع الفاعلة والمثابرة على التواصل مع الشارع، وذلك لأنّ الفرقة ذاتها ستكون منتجة للنصوص. أما أسباب عزوف الكتاب المسرحيين العراقيين، بحسب الدكتور ظاهر، فيمكن إيجازها بالآتي:

اعتياد الكاتب على البنية التقليديّة للنص 

قلة الفرق المسرحيّة التي يمكن ان تتبنى النص عدم وضوح متطلبات نص مسرح الشارع للكثير من الكتاب من حيث العناصر الدراميةعروض مسرح الشارع تتناول قيماً وثيمات محليّة عراقيّة عادةً مما يجعل النص محايثاً لمرحلة زمنيّة محددة وقد لا يعيش في بيئة أخرى.

أما الكاتب المسرحي عمار نعمة جابر فقال: ربما تمثل الاشتراطات الفنيّة في النص المكتوب لمسرح الشارع في العراق، العقبة الأساسية في وفرة هكذا نص مسرحي. وكذلك التجربة البكر والحديثة نسبياً في انتشار وتقديم مسرح الشارع في العراق. ونسجل أيضا، كونه لم يدخل في منظومة المؤسسات المسرحيّة الرسميّة العراقيّة، ولا منظومة المسرح الاكاديميّة العراقيّة. كذلك لم يحقق بعد الانتشار الواسع، وفوق كل ذلك فالكثير يلحظ أنه تجربة طور التكوين فقط. وأضاف أن “نص مسرح الشارع تجربة لا يحبذ الكتاب الخوض فيها كونها مختلفة، رغم أنّها أقرب للمشهد البسيط (إسكتج) منه للنص الكامل. فربما هم لا يجدون فيه كيانا تاما وقادرا على الحركة والبقاء، بل هو منتج آني محكوم عليه بالفناء والكثير من الكتاب لم يقتربوا كثيرا من تجربة مسرح الشارع؛ لذا فهم لم يكتشفوا فيه مكامن القوة، كون القضية محكومة بالممارسة والمشاهدة والقراءة، يجب تحديد ماهية مسرح الشارع وتعريفاته وآلياته والضبابيّة التي تحيط بها، أبعدت كتّاب النصِّ عن الكتابة له، خوفا من الوقوع في هكذا جدل مقيت”. 

وأشار المخرج والناقد المسرحي د. ياسر البراك إلى أن عزوف الكاتب المسرحي العراقي عن الكتابة لمسرح الشارع - مع استثناءات نادرة - يرتبط بمفهوم الحرية في عالمنا العربي والعراق بشكل خاص لأن المسرح في العراق (مؤسسة رسميّة) بما فيها الفرق الأهليّة المستقلة التي تحصل على إعانات إنتاجية من الدولة، ولأن مسرح الشارع نشاط غير رسمي بمعنى أنه نشاط متمرد على الفرجة المسرحية المحصورة في القاعات المغلقة (العلبة) لذلك يبدو مريبا سواء للمؤسسة المسرحية نفسها أو للحكومات المالكة للفضاء العمومي (الشارع) لأن واحدة من أهداف مسرح الشارع هو استعادة هذا الفضاء بما يمتلكه من حرية التعبير، فالتعبير عن الرأي في فضاء العلبة سيكون مع جمهور محدود نسبياً، أما التعبير عن الرأي في الشارع فسيكون مع جمهور أوسع وله صلاحية التدخل في سير الحدث الذي أمامه عبر فعل الارتجال، وأضاف: بمعنى أن مسرح الشارع يوفر فرصة القول والفعل للجمهور العام بينما مسرح العلبة لا يتوفر فيه ذلك إلا نادراً، وبما أن الكاتب المسرحي العراقي يتساوق في الغالب مع نسق السلطة (مؤسسة المسرح) ومركزيتها المهيمنة فهو لا يذهب باتجاه (الهامش) الذي نعني به فضاء الشارع الخارج عن نسق السلطة وهيمنتها عبر المؤسسة المسرحيّة. 

من جهته، أشارَ الباحث المسرحي د. غنام محمد خضر، إلى أن إشكاليّة الكتابة تتمحور حولَ أن الكاتب المسرحي العراقي لا يريد ان يحجم نصه ضمن نوع مسرحي بعينه، وترك تسمية مسرح الشارع على النص المكتوب يعطي دوراً أكبر المخرج في تطويع النص وإدخاله ضمن مضمار مسرح الشارع بعد أن يتدخل في حذف بعض الإرشادات المسرحية التي تتعلق بالديكور والفضاء الذي اقترحه المؤلف. وأضاف: كما أن موضوعات مسرح الشارع يجب أن تكون نابعة من هموم الشارع لضمان اوسع للتفاعل معها. وبذلك يتحتم على الكاتب أن يكون أكثر وعياً وهو يخصص مسرحيته لمسرح الشارع، لكن هذا التحديد في الموضوعات ايضاً يجعل الكاتب المسرحي أمام خيارات قليلة تجاه الموضوعات.