سالوستيانو غارسيا كروز.. سمواتُ الإنسانِ الزاهية

ثقافة 2023/01/12
...

 ترجمة: رامية منصور


تأسست نظرية اللون قبل القرن العشرين بناءً على الألوان النقية أو المثالية، وتم اختيار هذه الألوان استنادًا الى تجارب حسّية أكثر منها متغيرات فيزيائيّة، الأمر الذي أدى إلى أخطاء في مبادئ هذه النظريّة والتي لم يكن بالإمكان تصحيحها في النماذج الحديثة.

ومن أهم المشكلات التي واجهت العلماء هي الخلط بين سلوك مزيج الضوء، والمسمّى باللون الجمعي، وسلوك الدهان أو الحبر أو مزيج الخضب، والمسمّى باللون الطرحي. وقد ظهرت هذه المشكلة لكون امتصاص المادة للضوء يخضع لقوانين مختلفة تمامًا عن إدراك العين للضوء.

 يُعد اللون الأحمر من أقدم الألوان التي عرفها الإنسان في الطبيعة، ويعبّر عن الدفء، والحب، والمشاعر العميقة، كما أنّه لون من الألوان الساخنة المستمدة من حرارة الشمس، ووهجها، وقد يرتبط في بعض الأحيان بالمأساة، والقوة، والعنف، والإثارة، كما أنّه لونٌ واضحٌ ملفتٌ للنظر بشكلٍ كبيرٍ ويجذب اهتمام الجميع.. بشكلٍ عام يُعد اللون الأحمر صاحبَ أطول موجة ضوئيَّة من ألوان الطيف، لذلك يُعدّ من الألوان القويَّة والرئيسة. 

سالوستيانو غارسيا كروز رسام اسباني من مواليد عام 1965، يقدّم لنا لوحات دقيقة شبه واقعيَّة بمستوى الرأس والكتفين داخل دوائر ومساحات أحاديَّة اللون. انجذب للون الأحمر الزاهي، حيث الأحمر يمثل شغف العاطفة، شغف الإنسان في الحياة، الأحمر يقول لك أنت على قيد الحياة وتواجه الحياة وتتفاعل مع كل ظروفها، تصارع إحباطاتها ومآسيها وتستمتع بها حتى النهاية.. هذا الأحمر كان سالوستيانو يصنع صبغته من الخنافس القرمزية الجافة المطحونة، وهي تقنية أصيلة تعود لعصر النهضة ولكن بلمسة معاصرة.

لوحات سالوستيانو الحمراء والبيضاء ولاحقًا الصفراء، التي لا تستطيع إنكار قيمها الجمالية الأخّاذة، تمنح الهدوء من خلال دراسة مفصلة للشكل ولمسات فرشاة متلاشية. الشخصيات عبارة عن شخوص نصفية وحيدة ووجوه فوق مساحة فارغة أحادية اللون، تظهر كما في الأحلام حيث يتحول كل شيء إلى لون واحد في الغالب يكون اللون الأحمر. 

يبدأ العمل في اللوحة بعد أن يقوم بتصوير الموديل، وكثير منهم مرتبطون بعالم الموسيقى. "الأحمر رمز يُوحي بالجمال والزمانيّة، ولكن في الوقت نفسه القوة، إنّه لون الدم والدين والمختارين. الأحمر في لوحاتي هو في الواقع استعارة للسماء الصافية والمتسامية". 

الإنسانيَّة هي الموضوع الرئيس للوحات سالوستيانو غارسيا كروز التي تأخذك في حوار صامت لا صراع فيه ولا شدّ عصبي ولا إنشاءات دراماتيكيّة.. مجرد لمحة كما تنطبق بذهنك بشفافيّة وربما بلا معنى الملامح المسالمة والغامضة لصور المارة المجهولين التي التقطها مصوّر فوتوغرافي.. هذا هو ما يربط الرسام الفنان الإسباني بموديلاته.

ينقل سالوستيانو تعبيرًا أعمق لكن بصمت، تعابير قوية بصريًا، تساعده على التمركز في الموديل تلك الخلفية البسيطة، ليست تلك الحمراء التي استخدمها في بداية أعماله ولكن أيضا البيضاء والسوداء التي رافقت اللوحات اللاحقة. إنّه يستوحي تلك الألوان بشكل أو بآخر من عصر النهضة، وفي ذات الوقت يقدّم اللوحة برؤية سورياليّة معاصرة.. وبينهما يقف الغموض ليجعلنا نفكّر في المعنى والدافع والهدف من العمل.. فاستخدامه للرجل والمرأة والأطفال والعنف والدين يجعلنا داخل حدود لوحة غير واضحة الرمزيّة.. فالأحمر مثلاً يمحو نقاط مرجعيتنا في بنية اللوحة ويتركنا مع العواطف فقط. ورغم اجتذاب سالوستيانو انتباه المشتغلين في الوسط الفني وهواة جمع الأعمال الفنية بإبداعاته القوية لكنه يرفض التسميات التي يضعونه فيها ويركز على الجمال في لعبة 

صنع اللوحة.. ونحن لا يمكننا أن نحرمه من هذه المتعة.