د.يحيى حسين زامل
لا تقل «الثورة الثقافيّة» خطورة وأهمية عن الثورة التكنولوجية الصناعية في العالم المعاصر، فهي تسير - الثورة الثقافيّة- جنباً إلى جنب مع الثورة الصناعيّة التكنولوجيّة، وألا تصاب المجتمعات بالتخلف الاجتماعي والثقافي، أو (التناشز الاجتماعي)، كما وصفه الدكتور «علي الوردي». حين نمتلك أحدث الوسائل والأدوات التكنولوجيّة، ولكننا لا نمتلك ما يساويها من السلوكات والممارسات الثقافيّة المناسبة لروح العصر والتطور.
وفي التجربة اليابانية هناك فكرة مهمة طرحها معلم حساب في جامعة طوكيو القديمة يدعى»هوسوماتا»، كانت السبب في نهوض المجتمع الياباني من خلال قوله : « إن التطور الصناعي والعسكري يحتاج إلى ثورة ثقافية، أي تغيير أنماط السلوك العام والعادات البالية». وفي سبيل تطبيق هذه الثورة الثقافية اقترح «هوسوماتا» توزيع الساعات مجاناً بين الناس، للتأكيد على أهمية الوقت والمواعيد، وتعيين مراقبين يلزمون الناس بالمواعيد، لكي تتغير فكرة الناس عن الزمن وقيمته، وطلب كذلك رفع صورة الأمبراطور من العلم والاكتفاء برمز الشمس الحمراء مع كتابة كلمة اليابان أولاً عليه. واقترح ارتداء الملابس اليابانية التقليدية في البيت فقط، وارتداء الملابس العصرية في العمل والشارع، وطلب الإبقاء على اللغة اليابانية، ولكن اقترح لها نظاماً لنحوها وتصريفها مستمداً من اللغات الألفبائية قواعدها، واقترح برنامجاً كاملاً للتعليم، والتعريف الكامل بجميع العلوم.
وبناءً عليه أنَّ ما يحتاجه أي مجتمع اليوم في ثورته الثقافية، فضلاً عن السابق احترام العمل وإتقانه، وتأكيد مفاهيم الشرف والصدق في السلوك والممارسات الاجتماعية والاقتصادية والتجارية، واحترام التعليم لأنه الطريق الأهم في نشر الوعي والثقافة، وكذلك نبذ العادات السيئة من قبيل قضايا التمادي في الثأر، والرمي العشوائي بمناسبة ومن غير مناسبة، والفصول العشائرية الجائرة، وتفعيل القانون بدل الالتجاء إلى الاعراف العشائرية غير القانونية والشرعية، وأيضاً احترام الأديان والمعتقدات والمذاهب لجميع أطياف المجتمع، بصرف النظر عن الدين والعرق والإثنية وأحقية دين أو معتقد على آخر، بشرط عدم تعريض السلم الأهلي أو إلحاق الضرر أو العبث بمؤسسات الدولة وأبناء المجتمع. ونشر المساواة والعدالة بين أبناء المجتمع بدون تحيّز لجهة معينة، ونبذ الطبقية الاجتماعية والدينية والسياسية، التي تنتج الجدران العالية والمانعة بين تواصل أبناء المجتمع
الواحد.
ويخضع هذا الموضوع لبرنامج ثقافي متكامل، يقوم بإعداده أهل الخبرة والممارسة من أكاديميين وخبراء صناعيين واجتماعيين ونفسيين من مؤسسات مختلفة، وأن يكون هذا البرنامج الثقافي قابلاً للتطور والتغيّر وفق متطلبات الحياة الاجتماعية، ومرناً قابلاً للتغيير وفق الأحداث والسياقات الثقافية، ومستمراً لا توقفه الأحداث والظروف المعرقلة من أزمات وغيرها من الأحداث.
وكل هذا ممكن الحدوث بوجود الإرادة القوية، وتكامل المنهج والطريقة، والإعداد الجيد لها من خلال الخبراء والباحثين في مؤسساتنا التعليمية والتربوية والأكاديمية والثقافية.
ولا ننسى دور وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة في هذه الثورة، فضلا عن وسائل التواصل الاجتماعي، فهي الناقل المعرفي من أفكار وتصورات وبرامج من المؤسسات إلى الجماهير، إضافة لدورها التوعوي الاجتماعي والثقافي في كل
مجتمع.