العام ٢٠٢٣ والركود الذي يهدّد ثلث العالم

آراء 2023/01/15
...

 هشام داوود

 هذا العام سيكون أكثر صرامة من العام الماضي على الاقتصاد العالمي، والسبب هو أن الاقتصادات الثلاثة الكبرى وهي كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين سوف تتراجع جميعها في وقت واحد والعالم سيواجه سنة صعبة يشهد خلالها تباطؤاً بشكل واضح جداً من حيث النمو الاقتصادي. يتوقع المحللون الاقتصاديون أن يكون ثلث الاقتصاد العالمي في حالة ركود، وأن كساداً كبيراً في الأسواق سيضرب الدول، وحتى بالنسبة للبلدان التي لن يطولها الركود الاقتصادي لكنها ستتضرر، وإن الوضع الاقتصادي فيها سيكون وكأنه ركود بالنسبة لمئات الملايين من الناس.

ولا يخفى على أحد أن هناك أسباباً عديدة أدت إلى الركود العالمي، مثل وباء كورونا، والمنافسات الجيوسياسية بين القوى العظمى للسيطرة الاستثمارية في البلدان والدول النامية، إضافة إلى الحرب الروسية-الأوكرانية، وارتفاع أسعار الفائدة استجابة لارتفاع التضخم.

وبخصوص الولايات المتحدة وأوروبا، فإن واشنطن قد ينتهي بها الأمر إلى تجنب الركود بسبب ما تمتلكه من مميزات على أوروبا مثل الاحتياطي النقدي وتحكمها بسعر العملة العالمية.

 لكن الوضع في أوروبا معقد جداً وأكثر من أي فترة من الفترات ما بعد الحرب العالمية الثانية، إذ تضررت بشدة من الحرب في أوكرانيا، ووفقاً لخبراء في صندوق النقد الدولي فإن نصف الاتحاد الأوروبي سيكون في حالة ركود، ومن بين توقعاته أيضاً أن النمو العالمي قد يصل إلى 2.7  ٪ هذا العام، متراجعاً من 3.2 ٪ عام 2022.

أما الصين فالتباطؤ سيكون له تأثير رهيب على مستوى العالم، وهذا ما ذكرته شبكة (CNN) بأن اقتصاد الصين ضعف بشكل كبير في عام 2022 بسبب السياسة الصارمة التي تبنتها بكين بما أسمته (صفر-كوفيد) والتي جعلت الصين لا تواكب بل تتأخر نوعاً ما عن بقية العالم، ما أدى إلى تعطيل سلاسل التوريد وإلحاق الضرر في ما يخص تدفق التجارة ومجال الاستثمار، ولأجل ذلك صرح الزعيم الصيني شي جين بينغ أنه كان يتوقع أن ينمو الاقتصاد الصيني بنسبة 4.4 ٪ على الأقل في العام الماضي وهو رقم رغم كونه أقوى بكثير مما توقعه العديد من الاقتصاديين ولكنه  يبقى أقل بكثير من معدل النمو البالغ 8.4 ٪ الذي تم تسجيله في عام 2021.

إن نمو الصين في عام 2022 كان من المرجح أن يكون عند النمو العالمي أو أقل منه، وهذا الحدث للمرة الأولى منذ 40 عاماً.

الآن تريد الصين أن تحقق من 34 إلى40 ٪ من النمو العالمي، لكن الواقع يقول إنها لم تعد قادرة على فعل ذلك لأن الاقتصادات الآسيوية كلها تمر بفترة صعبة للغاية وفقاً لتوقعات الخبراء وخاصة الخبراء العاملين في صندوق النقد الدولي.

إن بكين تخلت عن القيود التي فرضتها على المواطنين الصينيين بسبب كوفيد - 19 ورفعتها في أوائل كانون الأول الماضي، وعلى الرغم من أن إعادة فتح المصانع والأسواق قد توفر بعض الإغاثة التي تشتد الحاجة إليها للاقتصاد العالمي، لكن الانتعاش سيكون غير منتظم ومؤلم، ومن الضروري ذكره أن كل قادة الدول الآسيوية الصناعية ومعهم أصحاب رؤوس الأموال كان قد شغل بالهم جميعاً قرار الفتح هذا أو رفع قيود الحضر في الصين والجميع كان يراقب عن كثب وكأن لسان حالهم يقول (ماذا سيحدث مع الصين؟ هل ستعود إلى مستوى أعلى من النمو؟).

لكن أرض الواقع أظهرت نتائج أخرى لأن إعادة فتح السوق الصينية قد أطلقت العنان لموجة من حالات الإصابة بكوفيد، والتي طغت على نظام الرعاية الصحية ما قلل من الاستهلاك والإنتاج، لذلك يكون بديهياً التوقع أن الشهرين المقبلين سيكونان في غاية الصعوبة على الصين، وسيكون هناك أيضاً تأثير سلبي على نموها.

كان هذا موجزاً مبسطاً عن النمو الاقتصادي للثلاثة الأكبر في العالم، وعلى رجال السياسة وأصحاب القرار في العراق أن ينتبهوا إلى نقطة مهمة جداً هي أن الصين اليوم ليست كما كانت عليه عام 2019 إبان فترة رئاسة الدكتور عادل عبد المهدي للحكومة العراقية، وألا يعولوا عليها بشكل كبير كما السابق، فالصين الآن تعاني من مشكلات اقتصادية داخلياً ولربما تكون لها في المستقبل نتائج أكثر سلبية، ويزداد تأخرها من حيث النمو الاقتصادي.