الدولار وتأثيرات السياسة

آراء 2023/01/15
...

 سعد العبيدي 

 

عاد سعر صرف الدولار إلى الدينار للارتفاع مرة أخرى، ومرة أخرى عاد المفسرون يدلون بدلوهم، والشكاكون منهم أصلاً توجهوا إلى وضع النقاط على حروف المؤامرة الدولية، وكأنهم لا يعون أن كل ميزانية العراق السنوية، وما يبيعه من النفط في سنة واحدة تقل في كثير من الأحيان عن ميزانية شركة لتصنيع الرقائق الإلكترونية وتسويقها، أو منصة من منصات التواصل الاجتماعي، وبعض اللاعبين الأصليين في السياسة الذين ينعكس لعبهم على وضع الدولار، ومقادير تسريبه إلى الخارج راحوا يتهمون الفيدرالي الأميركي بالحد من تدفق الدولار إلى العراق والإسهام في ارتفاعه، وآخرون عاودوا اتهام الحكومة بالتقصير، معتقدين أنها هي التي تمسك كل خيوط الدولار، وهي القادرة وحدها على رفعه وتخفيضه، وهكذا يبقى العديد من المفسرين في دوائر مغلقة يدورون في فراغ دون التقرب من أصل المشكلة التي تتعلق بسياسة العراق النقدية والمالية غير الواضحة، على الرغم من مرور ما يقرب العشرين عاماً على الانتقال بها من الاشتراكية المقيدة إلى اقتصاد السوق شبه المفتوح، وسماح هذه السياسة غير الصحيحة بفتح دكاكين لتهريب العملة على شكل مصارف تضخمت أرباحها لحد بات من الصعب السيطرة عليها، والتحكم في توجهات الانتفاع التي تنتهجها على حساب الاقتصاد الوطني ومصالح الإنسان العراقي الذي ارتبطت مستويات عيشه بأسعار صرف الدولار. 

إن مشكلة العراق لا تشبه مشكلة لبنان وباقي البلدان التي يشح في مواردها الدولار، فخزينته المركزية عامرة بالدولار، ومنافذ إنتاج وتسويق نفطه والبيع بالدولار مفتوحة ومستمرة، المشكلة في العراق وفي أسعار صرف دولاره للدينار مشكلة مركبة ترجع بعض أسبابها إلى الانتفاع السياسي الذي يفضي إلى تدخل أهل السياسة في الجوانب الفنية للمال، وبعضها الآخر إلى الجهل في معايير إدارة الدولة والمجتمع، وبعضها الأهم إلى عدم قدرة أهل البلاد، أو ساستها على وجه التحديد على فهم العامل الدولي فهماً وطنياً، يكفي لإيجاد سياسة خارجية وداخلية يكون فيها العراق بلداً مستقلاً بحق.