محمد صالح صدقيان
ناقشنا الاسبوع الماضي التحديات التي تواجه الحكومة الإيرانية خلال العام 2023، حيث كانت المفاوضات النووية ومسألة إحياء الاتفاق النووي الموقع عام 2015 أحد التحديات الستراتيجية التي تواجه الحكومة الإيرانية.
دعونا هذا الاسبوع نتحدث عن مآلات هذه المفاوضات والی أين سينتهي بها المطاف؟ وكيف سيكون وضعها في العام الجديد؛ لأن نهاية هذه الاتفاق ومعه المفاوضات ايا كانت سينعكس بشكل أو بآخر علی الوضع الأمني والسياسي في الإقليم.
عدة اطراف معنية بهذه المفاوضات.
الولايات المتحدة التي انسحبت من الاتفاق عام 2018.
الدول الأوروبية الثلاث بريطانيا؛ المانيا وفرنسا التي دعت إيران إلی صمود الاتفاق وعدم الانسحاب منه مقابل العمل مع إيران وفق صيغة معينة خارج إطار عضوية الولايات المتحدة.
وطرف ثالث هو روسيا والصين العضوان في المجموعة الغربية، التي ما زالت موجودة في الاتفاق، لكنها تملك موقف مغايرا للموقف الأوروبي؛ إضافة للجانب الإيراني الذي يشكل الطرف الأساس المقابل للمجموعة الغربية؛ بينما برزت أطراف إقليمية عارضت الاتفاق في حينها، وهي تريد أن يكون الاتفاق ضامنا لأمنها أو بعبارة أدق أن تقوم طهران بإعادة صياغة أمنها القومي وتنكفئ بموجبه إلی داخل حدودها، بعيدا عن نشاطها «المزعزع» للامن في الشرق الاوسط.
في قراءة استشرافية لمآلات هذا الاتفاق ومصيره ينبغي مراقبة الاطراف المعنية وماذا تريد في نهاية المطاف من هذا الاتفاق؟
وبعبارة اكثر وضوحا ماذا تريد من إيران ذاتها؟.
الجانب الاميركي هو أقوی الأطراف ولديه كلمة الفصل بسبب ضعف الموقف الأوروبي بعد الحرب الأوكرانية، والذي كان في أساسه الطرف الأضعف في الاتفاق النووي، بسبب هيمنة واشنطن علی قراره، التي قادت المفاوضات مع الجانب الإيراني بعد تسلم الرئيس بايدن البيت الابيض عام 2020 واعلانه الرغبة في احياء الاتفاق النووي الموقع في 2015.
لكن الذي أفشل المفاوضات التي قاربت العامين تمسك واشنطن ببحث قضايا وملفات خارج اطار الاتفاق النووي والامتناع عن اعطاء ضمانات علی استمرار اي اتفاق يمكن أن يتم التوصل اليه بين الجانبين.
تتحدث المعلومات عن وجود انقسام داخل الادارة الأميركية بشان إحياء الاتفاق النووي.
طرف يقوده رئيس وكالة المخابرات المركزية الأميركية وليام بيرنز ومعه روبرت مالي، الذي يمسك بالملف الإيراني في الخارجية الامريكية مقابل الرئيس جو بايدن الذي ياخذ بنظر الاعتبار موقف الكونغرس وضغوط اللوبي الصهيوني ومنظمة الايباك والصقور من الجمهوريين، الذين باتوا مسيطرين علی الكونغرس؛ بينما لم يتخذ وزير الخارجية أنتوني بلينكن ومعه مستشار الأمن القومي جيك سوليفان موقفا واضحا من هذه المسألة.
هذه الأجواء الملبدة والمتناقضة داخل الإدارة جعلت مخرجات المفاوضات مع إيران «عرجاء» لم تستقر علی حال فهي تقدم خطوة وتتراجع خطوتين؛ متاثرة مرة باستحقاقات الانتخابات النصفية واخری بالحرب الاوكرانية وثالثة بالضغط الصهيوني؛ ما دعا رئيس وكالة المخابرات المركزية ومعه روبرت مالي الانصياع للطرف الاخر لممارسة الضغوط الامنية علی طهران لابتزازها من أجل اتخاذ موقف اكثر ليونة حيال احياء الاتفاق النووي وممارسة سياسة «صراع الارادات» مع طهران.
لا يلوح في الأفق ما يشير إلی أن الجانب الأميركي يريد التوصل لاتفاق علی المقاسات الإيرانية، خصوصا أن الانتخابات النصفية قد وضعت أوزارها في ما يستعد الرئيس بايدن دخول اجواء انتخابات 2024 دون الحاجة لخلق منغصات امام الجمهوريين، الذين سيطروا علی الكونغرس ويتربصون به الدوائر.
اما الجانب الإيراني فهو يقترب من الاعتماد علی امكانياته الاقتصادية التي وضعها في الموازنة لعام 2023 ليسدل الستار في الاعتماد علی نتائج الاتفاق النووي، حيث أوضحت هذه الموازنة التي قدمها الرئيس ابراهيم رئيسي للبرلمان اعتمادها بنسبة 50، بالمئة علی الضرائب بينما اعتمدت في النصف الاخر علی صادرات المواد البتروكمياويات وبقية السلع والخدمات؛ في الوقت الذي خلت من الاعتماد علی صادرات النفط الخام؛ وهذا يعني أن النظام السياسي في إيران يريد مواجهة جميع الاحتمالات في الوقت الذي يراهن علی انهاء الاحتجاجات من خلال إعادة صياغة الأداء الحكومي، لحل مشكلات المواطنين، وتعديل ما يمكن تعديله من قوانين واجراءات تتعلق بالحريات العامة.
من خلال المؤشرات الأولية للقيادة الإيرانية فان طهران غير مستعدة للانسجام مع الدول الغربية في تصوراتها الإقليمية والدولية بعدما اجتازت التحديات الامنية؛ إلا أن ذلك لا يعني انها تجاوزت هذه التحديات بشكل ناجز، لكنها تهيئ نفسها للانخراط في «صراع الارادات» مع الجانب الامريكي بشكل خاص والغربي علی وجه العموم.
يبقی الجانب الأوروبي الذي لم يبدِ أي مبادرة أو خطوة راجحة، لتصحيح المسار وانما مارس دور «ساعي البريد» بامتياز لنقل الرسائل بين الجانبين الإيراني والأميركي دون ان يضيف عليها انتظارا لما يسمعه من واشنطن وهو ما اخّل بدوره الذي لم يكن غريبا أو مستبعدا نظرا لتطورات الاحداث في أوروبا.
في الجانبين الروسي والصيني فان موقفهما قريب من الموقف الإيراني لاعتبارات تتعلق بالموقف الستراتيجي مع الولايات المتحدة والتطورات الجيوسياسية التي تربط واشنطن وموسكو وبكين.
اما ما يتعلق بالمواقف الإقليمية فإن طهران رفضت الحوار مع دول الإقليم بشان برنامجها النووي، كما انها رفضت لغاية الآن التحدث مع المجموعة الغربية بشأن الأمن في الإقليم.
وأمام هذه الأجواء فإن أمام الاتفاق النووي حالتين، الأولی متفائلة والثانية متشائمة.
ففي الأولی أن يتم التوصل لاتفاق قبل انتخابات 2024 الأميركية، وهذا أمر صعب تصوره في ظل هذه الأجواء.
أما الاحتمال الثاني فإنه يستند إلی الأرقام والوقائع، وهو يعني عدم امكانية التوصل لحل لاحياء الاتفاق النووي في صيغته الموقعة عام 2015. وهذا يعني أن الاتفاق الذي وضعه الرئيس دونالد ترامب في غرفة العناية المركزة عام 2018 بعد انسحابه منه، قد نقل اليوم إلی ثلاجة الموتی، حيث تسعی جميع الأطراف الانشغال بكتابة شهادة
الوفاة.