مدلول الرمز الجنسي

ثقافة 2023/01/17
...

 ناجح المعموري

كانت القوة الإنجابيّة للطبيعة - الأرض - مقدسة وتتبدى من خلال قطبها الفاعل/ والخلاق، ويعبر عنها في شكل أعضاء التناسل الحيوانيّة بوجه خاص، ومنها الفالوس، وكانت هذه الديانة ذائعة بصورة خالصة في الهند، لكنها لم تكن مجهولة في مصر أيضاً، حسبما يروي هيرودوتس [الكتاب الثاني، الفصل 48] وتؤدى شعائر هذه الديانة أثناء الاحتفالات بعيد ديونيسوس [إله الكرمة والخمر عند الاغريق، وهو عند الرومان باخوس، وأصله فينيقي «أدونيس»، وقال هيرودوتيس: بدلا من القضيب ابتكروا أشياء أخرى بطول ذراع، مزودة بخيط، وكانت تحملها النسوة، فاذا ما شددن الخيط انتصبت هذه الأشياء في الهواء عن آلة الرجل التناسليّة.

وقد تبنى الاغريق العبادة نفسها. وكان المحتفلون في مصر يحملون الفالوس أثناء الاحتفالات التكريميّة للإله ديونيسوس. 

تتنوع الأسطورة الواحدة بتنوع الزمان والمكان والناس. وبانتقالها من مكان إلى مكان، ومن زمان إلى زمان، يضيف عليها ناقلوها أو يحذفون منها، أو يغيرون من تسلسل أحداثها. ولكنها من حيث الجوهر تبقى واحدة لأنها في الأصل تعبير عن دوافع دفينة واحدة وحاجات نفسية وعقلية واحدة. وهكذا انتقلت الأم الكبرى وأسطورتها، أو الروح الاخصابية الكونية وحبيبها المفقود في سورية وأرض الرافدين إلى بقية أنحاء العالم المتمدن القديم.

ففي مصر نجد أسطورة ايزيس واوزيريس صورة طبق الأصل عن مثيلتها في سورية وبابل. وفي آسيا الصغرى وفرجيا نجد سيبيل وآتيس، وفي بلاد الاغريق نجد أفروديت وادونيس، الذي احتفظ باسمه السوري «أدون» من دون تغيير إلا ما فرضته طبيعة التحوير اللغوي. 

وفي الهند – بصورة رئيسية – تمخضت عبادة القوة المنجبة في شكل أعضاء تناسلية عن آثار معمارية لها هذا الشكل وهذا المدلول: أبنية ضخمة لها شكل أعمدة، مشيدة من الحجر، غليظة كالأبراج، أعرض عند القاعدة منها عند القمة... ويأتي هيرودوتس أيضاً من جانبه، بذكر أعمدة من هذا النوع، لها تارة شكل العضو الجنسي المذكر وطوراً شكل الاعضاء الجنسيّة المؤنثة.

إنَّ الأصل الفينيقي للإله ديونيسوس قد أسهم بقراءة المدلول الفكري للسارية الموجودة داخل المعابد اليهوديّة، لأنّها تمثل بعضاً من الديانة القضيبيّة، وعرف يهوه - أيضاً- هذه العبادة التي كانت معروفة في سوريا وكنعان أصلاً للإله الاغريقي الشاب. وهذا ما تؤكده القراءة المعنية بالعلاقة الموجودة بين ثنائي الاتصال الاداخلي أدونيس/ عشتار- يهوه/ عشتروت.

وتختصر السارية في التاريخ القديم ثنائية الوظيفة الجنسيّة، وبالشكل الذي تريد واللحظة التي تستدعي سيادة أحد الطرفين.

وذكر هيغل بأنَّ سنوسرت هو الذي أمر بتشييد نماذج من الأعمدة، أثناء حملاته الفرعونيَّة [1887 – 1850 ق.م] لدى جميع الشعوب التي تغلب عليها. لكن هذه الأعمدة لم تكن قد بقي لها من وجود في زمن هيرودوتس [484- 420] ولم يشاهد نماذج منها إلا في سورية. ويروي بهذا الصدد: كلما واجه «سنوسرت» اثناء حملاته، شعوباً تُبدي شجاعة وبسالة في القتال، كان يأمر بأن تغرس في أراضيها أعمدة عليها نقوش تذكر اسمه واسم بلده، وكذلك واقعة خضوع هذه الامصار لسلطانه. أما حين كان يحرز، على العكس، نصراً سهلاً من دون أن يلقي مقاومة، فكان يأمر بأن تضاف إلى ذلك النقش صورة عضو جنسي مؤنث، تدليلاً على أن الشعب المغلوب أظهر جبناً في

القتال.   وهذا يؤكد شيوع السارية/ المسلات/ الفالوس في منطقة سوريا/ وكنعان/ ومصر، وعرفت في العراق على نطاق ضيق تماماً. ومسلة حمورابي شكل قضيبي واضح، وهنا تختصر دلالة المسلة الحمورابية للاشارة إلى القضيب وعلاقته مع السلطة السياسية/ الملكية، لأنَّ القضيب دال مهم على حيوية النظام السياسي/ الملكي؛ لذا كانت الطاقة الجنسيّة تزكية لحيوية وقوة الملك، والذي يعني ضمناً الوفرة/ والخير في المملكة. وكان بقاء الملك مرهوناً بقدرته الجنسيّة. 

وهذا مايؤكده النص التوراتي ويفيدنا في اللحظة التي اندفع بها سليمان لإزاحة والده داوود من الحكم. وهي لحظة فشله باختبار فحولته مع شابة

صغيرة.