خفايا الدور الإيراني في إسقاط طالبان وصدام

قضايا عربية ودولية 2019/04/06
...

جواد علي كسار
 
يعترض محمد جواد ظريف على نظرية المؤامرة، وأن أمريكا نفسها كانت وراء حوادث ضرب العمق الأمريكي في 11 أيلول 2001م، وإن كان لا يُمانع من إطلاق قاعدة مفادها: «إن المتطرفين يدٌ واحدة في العالم»، يلتقون في الهدف ويختلفون في الظاهر والأسلوب؛ وهذا ما ينطبق على بوش الابن وابن لادن معاً. يسجّل بصراحة ووضوح إن حركتي الرئيس بوش الابن بالهجوم العسكري على نظامي طالبان وصدام، حوّلتا إيران إلى قوّة أصيلة ومؤثرة في المنطقة، خاصة عندما استطاعت أن تُنسّق مع أمريكا في ملفي أفغانستان والعراق، فأبعدت عن نفسها خطر الضربة العسكرية الأمريكية، عندما كان البعض يرغب أن تتحوّل الطائرات الأمريكية في اللحظة الأخيرة من بغداد صوب طهران؛ طهران التي لم تخفِ على لسان مسؤولين كبار منهم الرئيس هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي، أنه لولاها لم يكن بمقدور الهجوم الأمريكي على طالبان وصدامٍ، أن ينتهي إلى حيث ما انتهى إليه من سقوط النظامين. في هذا القسم يحدّثنا ظريف، عن دور طهران في ملفيّ تغيير النظامين في أفغانستان والعراق، وكيف تحوّلت إيران من أحد أضلاع محور الشرّ الثلاثي الذي أعلنه بوش، إلى جسر مرور لهذا المقطع من السياسة الأمريكية؛ وهو موقف كثيراً ما تباهى به الساسة الإيرانيون!
اللجنة الثمانية
بعد انسحاب الروس من أفغانستان وسقوط حكومة محمد نجيب الله في نيسان 1992م، تفجّر الصراع بين فصائل الجهاد الأفغاني، ولم تتكامل صيغة الحكم المؤقت بقيادة صبغة الله مجددي (ت: 2019م) إلى حكم مستقر ثابت. كان من نتائج هذا الصراع الجهادي الدموي المدمّر، اكتساح حركة طالبان التي أُعلن عن تأسيسها عام 1994م، لأجزاء كبيرة من أفغانستان بما في ذلك العاصمة كابل عام 1996م، وقد برز اتحاد الشمال بقيادة مشتركة سياسية يمثلها برهان الدين رباني (اغتيل: 2011م) وعسكرية يمثلها أحمد شاه مسعود (اغتيل: 2001م) لمواجهة الحركة. هذا محلياً، أما على الصعيد الإقليمي والدولي فقد انبثق نشاط سياسي بعنوان مجموعة (6+ 2) تتكوّن من جيران أفغانستان، وهم إيران، باكستان، تركمنستان، أزبكستان، تاجيكستان والصين، بالإضافة إلى أمريكا وروسيا. بيدَ أن نشاط هذه المجموعة ما لبث أن انكفأ سياسياً، وتحوّل إلى أمور ثانوية من قبيل مكافحة المخدرات والتهريب وأمثال ذلك.
لكن رغم كلّ شيء يرى ظريف أن هذه المجموعة الثمانية، أتاحت لإيران فرصة من الفرص الممتازة لحضور إيرانيّ فاعل في هذا المشهد، خاصة لجهة التنسيق مع أمريكا، حتى بلغ الأمر أن يُشارك في واحدة من جلسات المجموعة، كمال خرازي وزير خارجية إيران إلى جوار مادلين البرايت وزيرة خارجية أمريكا، لولا أن خرازي غيّر رأيه في اللحظات الأخيرة، وقرّر إرسال محمد جواد ظريف بدلاً عنه. الطريف الذي يذكره ظريف أن السيدة البرايت ظلت لبرهة تعتقد أن الجالس أمامها ممثلاً عن إيران، هو وزير الخارجية خرازي، وكانت تخاطبه بهذه الصفة، إلى أن همس بإذنها أحد مرافقيها ممن يعرف ظريف معرفة شخصية، بأن من تتجه إليه بالخطاب هو ظريف معاون وزير الخارجية للشؤون الدولية، وليس الوزير خرازي.
 
حلقة جنيف
بعد حوادث 11 أيلول 2000م اكتسبت مجموعة (6+2) فاعلية أكبر، بالإضافة إلى إنشاء حلقة جنيف من قبل الأمم المتحدة، التي كانت تدفع لتنسيق أكبر بين إيران وأمريكا حول أفغانستان، وإلغاء دور باكستان المتهمة بحماية طالبان، وقد كانت حلقة جنيف تتألف من إيران وأمريكا وألمانيا وإيطاليا، وقد تمت بالفعل لقاءات مباشرة بين ممثلي إيران وأمريكا في نطاق حلقة جنيف، بتوافق واضح لمواجهة طالبان، وتهميش باكستان. لقد أرادت إيران في بعض المراحل دعوة الروس إلى مشروع حل حلقة جنيف، لكن الأمريكان رفضوا، كما استطاع الأمريكان والإيرانيون إضعاف دور الألمان الذين زجّوا بأنفسهم في قضية أفغانستان، دعماً لفريق أفغاني يسمى مجموعة فرانكفورت، في حين دسّ الإيطاليون أنفسهم عبر حمايتهم لمحمد ظاهر شاه (ت: 2007م) آخر ملوك أفغانستان، والمراهنة عليه لإعادة أفغانستان إلى الملكية مجدّداً.
يمرّ ظريف على تفاصيل كثيرة للعمل المشترك بين الإيرانيين والأمريكان، على الصعيد السياسي والميداني بين الفرقاء الأفغان، والمخابراتي. بالإضافة إلى تهميش باكستان اتجه الإيرانيون والأمريكان على الصعيد السياسي، إلى إضعاف المشاركة الروسية والهندية ودفعها إلى أمور هامشية، خاصة في اجتماع بون الذي استطاع تجاوز مشروع ظاهر شاه وعودة الملكية. وفي مرحلة من المراحل، برزت مشكلة أحد الفرقاء يونس قانوني، فقد كان قانوني يمثل برهان الدين رباني في وضع اللمسات الأخيرة لحكومة ما بعد طالبان، وفي واحدة من الاجتماعات المهمة في مكتب الأخضر الإبراهيمي ممثل الأمم المتحدة، عرض الإبراهيمي لمشكلة قانوني التي كادت مواقفه تفجّر المشهد برمته، فاجتمع الرجال الثلاثة ظريف والمندوب الأمريكي زلماي خليل زاد وقانوني، وبحكم أصوله الأفغانية، فقد نهض زلماي زاد بمهمة الترجمة ليونس قانوني الذي لم يكن يتحدّث الإنكليزية. يقول ظريف: أثناء النقاشات بيننا نحن الثلاثة، أحسستُ أنه من الممكن التوافق مع قانوني والوصول معه إلى حلّ، لذلك أخذته جانباً وتحدّثتُ إليه، ووصلنا إلى نتيجة مرضية لحلّ الأزمة، فما كان من الأمريكان إلا أن كتبوا في وثائقيات هذه الأزمة: «لسنا ندري ما قاله ظريف لقانوني، بحيث استجلب رضاه في ثلاثين ثانية!».
 
تضليل مخابراتي!
واقعة أخيرة قبل أن نغلق ملف أفغانستان وننتقل منه إلى العراق. يذكر ظريف أنه في حرب أمريكا لإسقاط طالبان، ضللت المخابرات الباكستانية الأمريكان وغرّرت بهم، عندما زوّدتهم بمعلومات خاطئة مائة بالمائة، فقد قامت هذه المخابرات بوضع علامات على الخريطة العسكرية الأمريكية، لمواقع تحالف الشمال بأجمعها، بزعم أنها مواقع لحركة طالبان. ربما كان من الصعب أن نصدّق، بأن الأمريكان ابتلعوا طعم جهاز المخابرات الباكستانية، وفاتتهم هذه الخديعة رغم كلّ قوّتهم المخابراتية وما لهم من أجهزة، بيدَ أن هذا ما حصل فعلاً.
لقد كان يمكن لهذا التضليل الباكستاني أن ينتهي إلى كارثة، بضرب قوى اتحاد الشمال المناهض لطالبان، والحفاظ على قوى طالبان، لولا تدخّل مخابراتنا في اللحظة المناسبة. فقد قام المسؤول الأمني الميداني الذي يمثل مخابراتنا، بتنبيه الجانب الأمريكي وتحذيره من التورّط بهذا الخطأ، ليتدارك الأمريكان الموقف، ويحول تدخلنا دون وقوع فاجعة، على حدّ قول ظريف.
 
العراق: لا نفط ولا سلاح!
بعد أن أفلحت النزعة العسكرتارية الأمريكية المتنامية من عهد بوش الأب فكلنتون فبوش الابن، بتحقيق نجاح عسكري سريع في أفغانستان، راحت الإدارة الأمريكية المحافظة تبحث عن ذريعة لحركة عسكرية ناجحة في موضع حساس على جغرافية العالم، فكان العراق هو المرشح الأنسب لمتابعة هذه 
الإستراتيجية. 
وكانت بواعث اختيار العراق متعدّدة بنظر ظريف، منها أنه بنفسه بلد مهم، ثمّ قد عانى من الحصار الصعب اثنى عشر عاماً كانت كافية لتذويب قوّته وتفسيخها بالكامل، مضافاً إلى أن كراهة نظامه وعزلته على صعيد المجتمع الدولي، تُخفض من كلفة مواجهته، خاصة وأن العراق قد أعان على نفسه بسوابقه في إنتاج أسلحة الإبادة الجماعية، واستعمالها في حروبه الداخلية والخارجية.
على أن ظريف هنا يستدرك قائلاً: «أنا على يقين من أن اختيار العراق لا علاقة له بالسلاح، بل ولا أعتقد أن له صلة بالسيطرة على منابع نفط العراق، إنما كان الهدف هو متابعة استراتيجية تثبيت السلطة العالمية لأمريكا». فقد كان الأمريكان يعتقدون أن بمقدورهم تحقيق نصر سريع في العراق، ثمّ بناء نظام ديموقراطي في هذا البلد، يتحوّل إلى أنموذج في المنطقة، يؤكد تفوقهم العالمي. من هنا كان البعض حتى داخل إيران نفسها يعيشون القلق من هذه الاستراتيجية، وأن أمريكا بانتصارها السريع في العراق، ستؤسّس لسابقة (أو لسنّةٍ وعُرف) لا نهاية لها في التطبيق، فهي كما تشمل العراق تشمل غيره. لهذا كان أحد الأهداف الإستراتيجية لإيران معارضة نزعة العسكرتارية الأمريكية، والحؤول دون مهاجمة العراق.
 
لا حرب!
بشأن اختلاف تقديرات الموقف داخل المؤسّسات الإيرانية عشية حرب إسقاط صدام، يذكر ظريف أن فريقاً مهماً في إيران على رأسه وزارة الخارجية والمخابرات، كان يعتقد أن أمريكا لن تهاجم العراق. وفي إحدى رحلاتي إلى طهران (الكلام لظريف) قبل أسبوعين من بداية الحرب، تحدّثتُ في لجنة الدفاع والأمن الوطني التابعة لمجلس الشورى الإسلامي، وقلتُ بأن أمريكا على وشك بدء هجوم على العراق، في غضون أسبوعين. حينها قال لي بعض أعضاء هذه اللجنة، أن لوزارتك توقعات مباينة لكلامك، فذكرتُ في جوابهم، أن هذا هو تحليلي الشخصي، الذي لا أستطيع أن أمليه كموقف رسميّ.
يضيف ظريف: ما كنتُ ألمسه وأراه وأنا في محل عملي بنيويورك، كان يدلّ على أن الهجوم العسكري قطعيّ، وهو واقع لا محالة. أجل، لم أكن على قناعة بأن النصر النهائي سيكون إلى جانب أمريكا، بل كنتُ أعتقد أن صدام سيُهزمُ سريعاً وبسهولة، بيدَ أن أمريكا لن تنتصر، وهذا ما كنتُ أتوقعه وأتحدّث به في الجلسات الخاصة. مردّ ذلك أن الاحتلال العسكري الخارجي، سيبعث على المقاومة لا محالة، بل ويكون سبباً في إيجاد التطرّف، وكنتُ أرى أن ذلك سيقع حتماً، وهذه الرؤية هي عين ما تحدّثتُ به في اجتماع مجلس الأمن، مضافاً إلى إيماني بأن التوسل بالقوّة لذرائع واهية، هو عمل خطير ينبغي مواجهته، كما ذكرتُ ذلك في حواراتي داخل أمريكا وإبّان أحاديثي في مجلس الأمن.
 
بغداد أم طهران!
على أن المسألة تتخطى تخوم العراق إلى إيران نفسها، كما يؤكد ظريف ذلك في مواقع عديدة من هذا الكتاب الحواري، وهو يشير بصراحة إلى قلقٍ كان يتنامى داخل إيران؛ من أن تتجه آلة الحرب الأمريكية إلى طهران بدلاً من بغداد، في ظلّ هيمنة المحافظين الجُدد على القرار في أمريكا، ووسط أجواء عالمية موائمة يومذاك، برزت فيها أمريكا كقوّة منفردة ووحيدة في العالم، من دون منافس. فبين 2001ـ 2003م تكرّر على لسان المحافظين الجُدد شعار؛ الرجالُ الحقيقيون يذهبون إلى طهران (Real men go to Tehran) كما أن أريل شارون رئيس وزراء إسرائيل ذكر للرئيس بوش، أن بغداد هي العنوان الخطأ، وينبغي أن تكون طهران هي المقصد، وقد أعانهم على ذلك اللوبي العربي الذي تحمّس بشدّة ونشط لتوجيه الضربة إلى طهران، وتعاضد معهم نشاط حثيث لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة، خاصة في مؤتمرها الصحفي في شهر آب 2002م، التي تحدّثتْ فيه عن النشاط النووي الإيراني في منطقة نطنز، من خلال وثائق ومعلومات زوّدتها بها إسرائيل والمحافل المتطرّفة في أمريكا نفسها، ما أملى على جهاز السياسة الخارجية الإيرانية أن يتحلى بالحذر والذكاء، ويكون على أهبّة الاستعداد لمواجهة هذه المؤامرة على حدّ قول ظريف.
 
الحوار المباشر
كيف حصل ذلك؟ كالعادة وخلافاً لعنتريات الساسة العرب وقصر نظر بعض قادتهم والميل الجانح إلى الشعارات الجوفاء، أعادت طهران تقدير الموقف وبادرت لاحتواء التصعيد الأمريكي المتنامي ضدّها والالتفاف عليه، حين فتحت قناة للحوار المباشر مع أمريكا. بدأ ذلك عندما التقى ظريف في نيويورك مع الأمين العام للأمم المتحدة، واقترح عليه باسم الجمهورية الإسلامية إيجاد مجموعة تنسيقية حول العراق، على غرار مجموعة (6+ 2) حول أفغانستان، للتعاون المشترك بغية الحؤول دون بروز أزمة جديدة في المنطقة. رحّب الأمين العام بالمقترح الإيراني هذا بحرارة، وقد وعد بالتواصل مع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن وجيران العراق، لكن المفاجأة أن أمريكا رفضته بشدّة، وبعثت رسالة إلى إيران عبر الأمين العام بأنها ترغب بالحوار المباشر، لتعزّز هذا الاقتراح بقناة جديدة، بعد أن كانت مررته إلى إيران قبل ذلك، بطرق متعدّدة.
مما يذكره ظريف إيضاحاً، أن الموقف الأمريكي الرافض لم يكن موجهاً إلى إيران، فأمريكا كانت تحرص على الحوار المباشر مع طهران، إنما كان موجهاً ضدّ فرنسا وروسيا وموقفهما المناوئ لأمريكا في مجلس الأمن يومذاك. ثمّ يضيف بأن الأفراد والاتجاهات العاقلة في الداخل الإيراني، وتلك القريبة من الإدارة الأمريكية كانت بأجمعها تحرص على الحوار الإيراني ـ  الأمريكي إزاء العراق. لذلك عندما ذهب إلى نيويورك في صيف 2002م، ممثلاً دائماً لبلاده في الأمم المتحدة، اتصلوا به مرّات لإيجاد قناة تواصل مباشرة مع الأمريكان، حول العراق، بيدَ أن القرار لم يكن بيده. أخيراً قرّرت طهران على أعلى مستويات السلطة، أن تفتح قناة ارتباط مع الأمريكيين حول العراق، على غرار ما كان عليه الأمر في حلقة جنيف حول أفغانستان. ومع أن ظريف كان في نيويورك ولم يكن له إطلاع على ما دار في بلده توطئة لهذا القرار، إلا أنه يخمّن أن دفع الأخطار المحدقة بإيران، هو من وراء قرار طهران بضرورة التعامل المباشر مع أمريكا؛ هذا التعامل الذي اشترطت فيه طهران أن يكون ظريف على رأس الهيئة الإيرانية المعنية، وهذا ما كان.
 
ثلاث دورات
حيث كان ظريف قد استقرّ بنيويورك، فقد كان مجبراً للسفر إلى طهران لأخذ التعليمات اللازمة، قبل كلّ دورة من دورات التفاوض المباشر ماراً بأوربا، قبل أن يعود إلى طهران مجدّداً ليقدّم تقريره لعاصمته بعد المفاوضات. لقد حصلت بين الطرفين الإيراني والأمريكي ثلاث دورات من التفاوض المباشر، دورة في باريس ودورتان في جنيف؛ اثنتان سبقتا الحرب وواحدة جاءت بعد سقوط صدام.
ممثل أمريكا في هذه المفاوضات هما زلماي خليل زاد ورايان كوركر، ومن طرف إيران محمد جواد ظريف معه الحلقة التي كانت تمثل إيران في ملف أفغانستان. يذكر ظريف أن معلومات الأمريكان عن الوضع الداخلي في العراق كانت ضعيفة جداً، لذلك بادر الوفد الإيراني لتصحيح دعايات العرب والآخرين عن شيعة العراق، وعن حزب البعث والجيش العراقي.
ومازلتُ أذكر (الكلام لظريف) أننا أخذنا وقتاً لكي نبيّن للأمريكان، دور الحاضرة العلمية في النجف الأشرف وشخص آية الله السيستاني، وأوضحنا لهم أنه ليس بمقدورهم كما يتوهمون، حلّ إشكالية العواطف الدينية في هذا البلد، من خلال الاعتماد على عدد من المعممين الشباب، الذين ليست لهم قدم راسخة في الحوزة النجفية. كما حذرنا قبل الحرب وبعدها من مغبة تشكيل حكم عسكري أمريكي في العراق، أو إعادة إنتاج الصدامية، أو إغفال إرادة الأكثرية. في واحدة من جلسات الحوار المباشر مع الأمريكان، عرضنا لازدواج موقفهم من مقولة الإرهاب، عبر تعاملهم مع جماعة مجاهدي خلق في العراق، فردّ الممثل الأمريكي أن ذلك كان موقفاً ميدانياً من قبل القادة العسكريين في العراق، وأن واشنطن لا دخل لها بذلك، وقد تعهدوا بعدم تكرار الموقف. في المقابل سأل الأمريكان في إحدى المرّات عن «القاعدة» ووجود بعض قادتها في سجون 
إيران. يذكر ظريف أن مستقبل العراق كان ولا يزال أمراً مهماً للجمهورية الإسلامية، سواء من وجهة المعتقدات الدينية والعواطف المذهبية، أو من الوجهة الاستراتيجية وما يمثله العراق من أهمية للجمهورية الإسلامية والمنطقة، على حدّ قوله. مما نبّه إليه ظريف أيضاً، صراع المصالح حول العراق، وأن سائر بلدان المنطقة هم منافسون لإيران في هذا البلد، ولبعضهم مصالح متعارضة مع إيران. فقد لاحظ مثلاً أن ما لأحد من بلدان المنطقة حتى سوريا، رغبة في حلّ حزب البعث وتفكيكه وإنهائه بعد سقوط صدام، وأن بريطانيا دولياً وتركيا والسعودية إقليمياً كانت ضدّ الانتخابات، لأن نتيجتها واضحة لصالح الأكثرية الشيعية، وحتى سوريا لم تكن تريد التفريط بحزب البعث العراقي، كما لم ترغب أن يسود في المنطقة أنموذج حُكم الأكثريات، لذلك يُسجّل ظريف أن اجتماع شرم الشيخ للخمسة الدائمين في مجلس الأمن وجيران العراق، الذي عُقد بعد سقوط صدام، شهد توافقاً بين وزيري خارجية إيران وأمريكا، وقد وحّدَهما موقف الدفاع عن إجراء الانتخابات، وسط معارضة البقية على نحو فعّال ومباشر كما هو شأن سوريا والسعودية مثلاً، أو على نحوٍ غير مباشر وبوسائل التفافية مؤذية كما هو شأن بريطانيا. أخيراً، ولأسباب خاصّة بكلّ واحدٍ منهما، ومن دون علم أو تنسيق مسبق بينهما، قرّر الطرفان أمريكا وإيران، إلغاء الدورة الرابعة من اللقاءات المباشرة، رغم اتفاق الطرفين عليها، وتحديد تأريخ لانعقادها. أجل، حصل بعد ذلك بسنوات وفي عهد الرئيس أحمدي نجاة، أن طلب جيمز بيكر اللقاء معي، لمقدّمات تدوين تقرير 
بيكر ـ 
هاملتون حول العراق، وقد قَدِمَ من أجل ذلك إلى نيويورك، فقبلت الدعوة لكن تحاشيتُ أن أذهب إليه، فدعوته إلى الإفطار حيث كان شهر رمضان، وتمّ اللقاء. في ختام هذه الملفات يكرّر ظريف السؤال التالي كثيراً: كيف تعاون الأمريكان والإيرانيون كلّ هذا التعاون، في قضايا عويصة وشائكة، وفشلا في إنجاز التقارب بينهما؟