رسائلُ أمانٍ وتطمينٍ وتعريفٍ بثقافات الشعب العراقي

ريبورتاج 2023/01/18
...

  بدور العامري

 لا يمكن أن يختلف اثنان على أن كل شيء في العراق له طعم ولون مميز، ويتميز عما في سائر بلاد الله ليس انحيازا للوطن، او توافقا مع مشاعر الحنين في بيت شاعرنا الكبير بدر شاكر السياب "الشمس أجمل في بلادي من سواها، والظلام حتى الظلام، هناك أجمل فهو يحتضن العراق". لكن السبب معروف وليس بالمبهم، لأنه يكمن في تعدد أطياف الشعب العراقي من أديان وقوميات وأعراق، لذلك أصبح من الطبيعي أن تثمر عن هذا الأمر مجموعة ثقافات وعادات وتقاليد متنوعة أشبه بباقة الورد الملونة، التي طالما وجد عند النظر إليها أجمل الصور وأعذب العطور. لذلك كانت لمحفل بطولة خليجي 25 الكروية أرض خصبة لنشر هذه الثقافات والتفاخر بها بين الأمم الأخرى.
ملح البطولة

 وفقا للمراقبين والمتابعين فإن الحدث الأبرز هذه الأيام أوضح أن الجماهير العراقية هي الأداة الأولى والداعم الرئيس لجميع رسائل الامن والسلام والمحبة، تجاه الدول الشقيقة والصديقة، وبالتالي النجاح في تحقيق الأهداف والرسائل المرجوة منها، والمعروف عن الجماهير العراقية حبها الكبير لكرة القدم وتعطشها لرؤية دول الخليج وأشقائهم العرب، يتواجدون ويلعبون على ارضهم، إضافة الى الصفات الاصيلة، التي يتحلى بها الشعب العراقي من حفاوة الترحيب وإكرام الضيف، مما زاد من بعد عدة عقود من افتقاده لمثل هكذا مناسبات بسبب تركة ثقيلة أثرت سلبا في علاقته بمحيطه الدولي والإقليمي، بدءا من الحروب العبثية للنظام البعثي، وليس انتهاءً بالأزمات الاقتصادية والأمنية نتيجة الإرهاب ما بعد عام 2003، مع حفظ حقوق النجاح للجهات الحكومية والرسمية المنظمة لبطولة خليجي 25 في البصرة الفيحاء.


كسر الحواجز 

الكاتبة والمهندسة فاتن عيسى الصراف تجيب على من اتهم البصريين بتجاوز الحدود المنطقية في التعامل مع ضيوف بطولة خليجي 25، أنهم بسلوكهم الذي أغدق الحضور بالخدمات المجانية، قد ضيع عليهم فرصة استثمارية للنهوض باقتصاد المدينة لمدة أسبوعين وهو عمر البطولة، اذ تقول لأصحاب هذا الرأي "فاتكم أن تدركوا أن البصريين خلال أيام معدودة استطاعوا أن يكسروا جميع الحواجز، التي عزلت العراق عن بقية بلدان وشعوب المنطقة لعشرات السنين، اذ نجح أبناء البصرة في زرع شعور الأمان والطمأنينة في قلوب من زارهم، وتضيف الصراف بشأن الضيوف الذين عاشوا هذه التجربة الاستثنائية ونقلهم الصورة لبلدانهم والعالم، فإنهم لم يكتفوا بـ(عين غطى وعين فراش)، أو تلك الخدمات المجانية المليئة بكلمات الترحاب، بل سيعود هؤلاء قريبا مع غيرهم الكثيرين كسائحين ومستثمرين، خاصة بعد أن تغيرت انطباعاتهم حول بلد عانى ويلات الحرب والظلم والتهميش لعقود طويلة.


تفاعل إعلامي

 ما يميز أجواء بطولة خليجي 25 هو التواجد غير المسبوق من قبل وسائل الاعلام العربية والخليجية بصورة خاصة، إذ وجدت القنوات العربية الرياضية من أجواء طيبة وكرم وحسن الضيافة، مواد دسمة لتقاريرها اليومية، التي أخذت تجد صداها الكبير لدى الجماهير العراقية والعربية، اذ يقول الناشط الشاب عماد موسى:

"استطاعت بطولة خليجي البصرة أن توحد الخطاب الإعلامي للقنوات المحلية، باتجاه دعم البطولة، إضافة الى الجهود القيمة لبعض وسائل الاعلام العربي، وعلى رأسها قنوات الكاس الرياضية وبرنامج المجلس، الذي يقدمه الإعلامي خالد جاسم، الذي امتلك شعبية واسعة بين الجماهير العراقية بفعل مواقفه الداعمة لسعي العراق في إقامة البطولة على ارضه منذ سنوات، وما زال برنامجه يظهرالوجه المضيء للعراق، وإبراز ثقافاته المختلفة والجميلة للرأي العام العربي، وتابع عماد كما كان هناك دور لقنوات ابوظبي الرياضية في نقل المشاهد والفعاليات، التي احتضنتها البصرة مرحبة بضيوفها أينما حلو .


باص الخليج

 من المبادرات والرسائل المميزة التي استطاعت ان تبعث رسالة امان ومحبة ونشر مشاعر الفرح والترويج لبطولة خليجي 25 داخل العراق قبيل انطلاق هذا العرس الكروي، هي فعالية باص الخليج، وهو عبارة عن عجلة تراثية نوع (شوفرليت) تجاوز عمرها الستين عاماً، تمت صيانتها وتزيينها بإعلام الدول المشاركة في البطولة، حيث أخذت تتجول بين مدن ومحافظات العراق من الجنوب الى الشمال، ومن الشرق الى الغرب، حاملة معها نسخة من كأس البطولة للنحات المبدع احمد البحريني، اذ يقول صاحب فكرة هذه الفعالية عصام جعفروهو مخرج سينمائي:

"عملت برفقة زملائي على ترجمة هذه الفكرة على ارض الواقع لتكون رسالة محبة وأمان تتجول بين محافظات البلاد، معلنة عن قرب الفرح العراقي الخليجي في البصرة الفيحاء، مبينا هذا الباص يحمل رمزية كبيرة في تصميمه، كونه يحمل معالم تراثية صنعت بأنامل نسائنا في جنوب العراق، مثل حياكة البسط والايزار، إضافة الى وجود مجسمات لكؤوس الدورات السابقة لكأس الخليج، وقد حظيت فعالية باص الخليج بترحيب رسمي وجماهيري في كل المناطق التي وصلت اليها، من خلال الترحيب بهم وتنظيم استقبال يليق بهدف المبادرة، مثل بعض الفعاليات الرياضية بوجود شخصيات عامة ومؤثرة في المجتمع العراقي. 


تثقيف 

إنَّ تنشيط الجانب السياحي والتثقيف على أهم المحطات والمرافق السياحية في العراق كان من أولى الرسائل والأهداف، التي حرص القائمون على هذا المحفل، ابرازها والتعريف بها بالشكل الذي يليق ببلد هو مهد الحضارات، واحتضن العشرات منها على مر التاريخ.

ليلى الانصاري ناشطة مدنية ومهتمة بالشأن الثقافي والتراث، تحدثت عن أجواء الافتتاح لبطولة خليجي 25 باعتبارها تحفة ثقافية تستحق الإشادة والتقدير، كونها سلطت الضوء على بعض حضارات العراق، وكانت لمحات موفقة بين صفحات التاريخ العظيم، الذي أعطى للعالم النورعن طريق الكتابة واختراع أول الأشياء لخدمة البشرية ووضع القوانين والشرائع لتنظيم الحياة وديمومتها، وتابعت الانصاري "اننا بأمس الحاجة الى تعريف الاخرين بأرثنا وحضارتنا العريقة، خاصة أن الغالبية العظمى للجماهير الحاضرة، والمتابعة لهذا الحدث الرياضي هي من جيل يفتقد الى تلك المعلومات، لأسباب عديدة، من سياسات القطيعة التي ألمت بالعراق، أو طبيعة هذه الأجيال وانشغالهم بأمور ثانوية غير التزود بالعلم والثقافة والاطلاع على الثقافات الأخرى.


ترويجٌ للسياحة

 في مجال الترويج السياحي ظهرت مبادرات فردية تنم عن وعي وادراك متبنيها، حيث شهدت الأيام الماضية نشاطا غير مسبوق لعدد من الشباب العراقي والمدونين على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، للتعريف بالمواقع الاثرية والسياحية في البلاد بصورة عامة، ومدن الجنوب على وجه الخصوص، بحكم قربها من موقع الحدث محافظة البصرة.

عامرعبد الرزاق واحدٌ من بين هؤلاء الناشطين الذي عمل على تأليف بوستر تعريفي للمواقع الاثرية والتراثية بالتنسيق مع مفتشية آثار وتراث ذي قار، وتوزيع آلاف النسخ بين الجماهير الحاضرة لمباريات المنتخبات في هذه البطولة، مثل زقورة أور والاهوار وغيرها، فضلا عن المبادرات الأخرى التي قام بها عدد من ناشطي مواقع التواصل الاجتماعي مستثمرين هذه المنصات للتعريف عن حضارة العراق ومعالمها.