إشعال للحب وإخماد للتقاليد الموروثة

ثقافة 2023/01/18
...

سريعة سليم حديد

المجموعة القصصية التي بعنوان: حب في بيت النار، للأديب السوري عصام حسن. يلفتنا الغلاف بما يحمل من بساطة إلى درجة العمق والغور في أعماق المرآة المكسورة, تلك المرآة التي تعكس جزءاً من وجه الإنسان وللمشاهد أن يكمل رسم كامل الوجه بخياله الواسع وبطريقة اللاشعور وذلك عبر الشظايا المختفية مع الظلمة, وقد حملت تلك المرآة يدٌ مرفوعة وسط رمادية الأحداث وبياض الضوء.
من جانب آخر قد يتوقَّع المشاهد للوحة أن هذا الجزء المشاهد من الوجه لا تعكسه مرآة بل هو جزء من صورة ممزقة وسط ظروف غامضة يستوجبها رماد المشهد وسوداوية أطراف الغلاف.

هي لوحة تضيء الجانب القصصي بكل ما يحمل من تموجات بين الظلمة والضوء في معترك الحياة التي باتت في وقتنا هذا مشظاة بين الحب والنار.

نلاحظ أن الكاتب لا يزال محافظاً على خطه الكتابي, بمجرَّد أن يقرأ المتلقي القصة في أي مكان من دون أن يعرف كاتبها, فسوف يقرُّ بأن هذه القصة من تأليف الكاتب (عصام حسن)، فقد استطاع أن يترك بصمة ما في ذاكرة المتلقي بكل بساطة معتمداً على أسلوب الرشاقة في القص والحالات الرومانسية والقرب من الواقع بشكل كبير.

ـ في قصة: (فيدرين) يغوص الكاتب بعمق في الجانب الاجتماعي, وقد ألبسه الزي العاطفي اللطيف, فجعل من الفتاة (فيدرين) تعشق جارها الضرير, وقد قلب الكاتب الحالة المعتادة فمن شأن العاشق الشاب أن يبادر إلى تقبيل محبوبته, ولكن في هذه القصة الفتاة هي من تبادر إلى ذلك بل وتتجرَّأ أكثر فأكثر لتقضي معه ساعات حب كما يشتهيان.

تتوسَّع دوائر الألم لدى الشاب الضرير فلم يصدِّق أن يتم الله عليه فرحته بزوجته فيدرين حتى يأتي القدر بما لا يشتهي ويحب وكأن الشاب كان يبحث جاهداً عن شمَّاعة ما يعلِّق عليها ما اعتراه من خيبة وفاجعة.

في قصة: (زويا تكتب)، تأخذ القصة مساراً آخر مختلفاً في السرد من حيث ترويس الفقرات بأسماء شخصيات القصة، التي تتلو أحداثها الفتاة (زويا). 

تتحدَّث (زويا) عن صديقاتها كل واحدة باسمها. اللافت أن لكل فتاة رؤية خاصة حيال موضوع الحب والنظرة للجنس الآخر.

أما الفتاة (بتول) فقد حلَّق الكاتب في عرض تفاصيل قصتها التي امتزجت باللغة الساخنة والخيال وواقعية اللحظة الحرجة. (بتول) الفتاة التي أحبَّت أن ينفر نهداها كباقي الفتيات, فتحلَّ صديقتها لها المشكلة على طريقتها الخاصة بوصفة تتدرَّج في الانزلاق بالتوقُّع عند تقدم الأحداث كلمة كلمة لنجد الحلَّ ينخرط في وصفة على طريقة المثلية, هذه الوصفة طبقتها صديقتها معها بكل متعة جارفة أحلامها وعواطفها ومتعتها في تيار ساخن لم تستيقظ منه إلا وهي في حالة مزرية. نقتطف:

(كنت خائفة إلى درجة الموت, حتى إنني صرت أبكي طالبة منها التوقف, لكنها لم تتوقف... ثم خارت قواي, وشعرت بأنني أسبح في الهواء قبل أن أغيب عن الوعي تماماً لأستفيق بعد دقائق, وأجد نفسي وحيدة في سريري مع آلام في أسفل بطني..) ص73

بالانتقال إلى قصة (لماذا لا أصنع القهوة؟) نجد الكاتب يدفع الأحداث بكثير من الرومانسية, علما أن العنوان قد فقد صدارته بعد الصفحة الثانية ولكن بالتأكيد سيبقى للقهوة رائحتها ومذاقها وحضورها في كل لحظة تستوجب ذلك.

إن سرد الأحداث على طريقة قصَّة تتداخل مع قصة أخرى لم يكن بالأمر المفاجئ للمتلقي بل جاء الكاتب بطريقة عذبة استوفت عنصر التشويق وحمت القصة الأصلية من الضياع في مهب أحداث قد تكون مقحمة بعض الشيء. نقتطف :

( لم تكن جدة دنيا تعرف من الصلاة شيئاً... وتحمل سجادتها الصغيرة التي أطلق عليها أحفادها العفاريت اسم: بساط الريح...  تخرِج من فمها حروفاً متفرِّقة على هذا الشكل بس.. اسـ .. ماذا تقول: يسأل الجميع, من دون أن يتجرَّأ أحدهم على الضحك..) ص90

من هذا المقطع يتبيَّن للمتلقي دقة الكاتب في التقاط المشاهد التفصيلية المدهشة المعبِّرة عن بساطة الحالة وجماليتها وعفويتها بالإضافة إلى الطرافة ممتزجة مع الاحترام والحب.

سجادة صلاة الجدة تحوَّلت بالفعل إلى بساط الريح الذي حمل حفيدتها (دنيا) إلى عالم الحب الواقعي مع (فهد) الذي زرعت معه بساتين من الحب فوق زخرفات تلك السجادة في مساء مشع بالنجوم والقبل. لتجد نفسها تتمتم بكلمات متقطعة وعبارات مجهدة أرهقتها مفاجأة اللحظة وثقل الحب الذي أودى بها إلى عالم ما كانت تريده.

امتازت هذه المجموعة بجمال السرد, والدهشة في خواتيم القصص إضافة إلى طرح العديد من الموضوعات الحساسة التي جعلت المجموعة تتألَّق بها.

المجموعة القصصية: حب في بيت النار. دار الآداب للنشر والتوزيع 2018