سوسن الجزراوي
فن الممكن! ومن غيرها، أنها السياسة بلا شك! ولكن، أي ممكن هو المقصود هنا؟.
تشير بعض الدراسات في هذا العلم الكبير إلى أن السياسة تخضع للظروف المتوفرة في الزمن الذي تولد فيه، وتحاول جاهدة أن تتكيف طواعية مع الموجود، في حين يرى البعض الآخر، أن فن الممكن، هو دراسة وتغيير الواقع موضوعياً ومن ثم خلق بنية جديدة له.
وفي عودة لأيديولوجية السياسة في مختلف دول العالم، مع الفارق في المنظومة الحكومية والدستورية لهذا البلد أو ذاك والمتغيرات الطارئة، نجد انها نوع من القالب أو (الفورما ) التي تؤطر سلوكيات وحديث وافكار السياسيين، كونها تنطلق من مبدأ التعريف العام لمعنى مصطلح أيديولوجيا الذي يعرف بأنه : النسق الكامل للمعتقدات والرؤى والافكار الموجودة في انماط سلوكية معينة.
من هذا المفهوم وفي معادلة حسابية بسيطة، نرى ان فن الممكن هنا، إنما هو الدخول موضوعيا في حيثيات الحياة المقيدة بأفكار جماعات امسكت بزمام ادارة دفة الدولة، ولكي تنجح في رحلتها، كان لا بدَّ من توفر منهاج ثري متكامل، يعد خارطة طريق منظمة ومدروسة لهذه الجماعة، ولها أيضا فرصة خيار متاحة، وأقصد الجماعة الحاكمة، خيار أن تبني وطناً يتسابق إيجابياً مع تطورات العلم والمعرفة بكل أشكالها، أو أن تتقاعس عن خدمة مصالح المجتمع وبالتالي تلوذ بالفرار من التطور والنهضة، ما يؤدي إلى خلق بيئة متهرئة ومجتمع مريض نفسيا وصحيا وبما أن السياسة وفق وجهة نظر البعض، لعبة أو بالأحرى أحجية في بعض صورها، صار لزاماً ايضا على الحاكم تحدي المستحيل للفوز أو لحل هذه (الأحجية)، وليس الاكتفاء بما تملكه ادارة الدولة ماديا وفكريا، فالحياة في تسارع والوقوف عند ذات الوتيرة لا يخدم المصالح العامة، بل يجعلها متخلفة عن مواكبة العالم المتقدم كما اسلفت، فالدولة الناجحة، هي تلك الدولة التي يكون حكامها أصحاب رؤى عميقة وبعيدة المدى، وأصحاب أفكار متنورة لا تستسلم للقيود والمصالح، بل تبتكر وتجد حلولاً للأزمات، التي قد تعصف بالدول التي يحكمونها، وهذا بلا شك يحتاج ذاك السياسي الناجح الذي يدير الدفة بالممكن وغير الممكن، بالمتوفر وغير المتوفر والذي يجب توفيره مهما تطلب الامر، حتى تصبح سياسة البلد قادرة على مواجهة كل التحديات
وبعيدا عن التنظير والاحلام السرمدية، يجب على كل سياسي يريد النجاح، ان يتقن فن ادارة ادواته وموارده البشرية وتوظيفها بالشكل الصحيح، فالسياسة هي علم وفن وثقافة واقتصاد وتخطيط، انها الورقة الاهم في لعبة الحياة، فمن اتقن استثمارها، إنما اتقن ممارسة القيادة الحكيمة الناجحة المتمكنة من
ادواتها.