هل كتب بروست أعظم رواية في التاريخ؟

ثقافة 2023/01/19
...

 بقلم: كاث باوند

 ترجمة: كريمة عبد النبي

شهد العام الماضي الذكرى المئويَّة لوفاة الكاتب الروائي الفرنسي مارسيل بروست (1913 - 1922) وهي أيضا ذكرى إصدار الجزء الأول من سباعيّة “البحث عن الزمن المفقود” التي وصفها الكثير من الأدباء والنقاد بأنّها واحدة من أعظم روايات الأدب الحديث في هذا الزمن، نالت هذه الرواية إعجاب الكاتبة فرجينيا وولف التي قالت عنها في رسالة الى روجر فري في عام 1922 “ليتني أستطيع كتابة رواية كهذه”. وفي العام الذي صدرت فيه هذه الرواية، صدرت روايات أخرى لكل من فرجينيا وولف وجيمس جويس إذ نشرت وولف في ذلك الوقت روايتها “غرفة يعقوب” التي أسست من خلالها لتيار الوعي في الرواية العالميَّة بينما أصدر جويس رواية “يوليسيس” أو (عوليس بالأيرلنديّة) التي تعد واحدة من أبرز أعمال الأدب الحداثي وأعتبرها الكثير من النقاد أنموذجا وإجمالا للحركة الأدبيَّة آنذاك.



لكن رواية بروست “البحث عن الزمن المفقود” تمكنت من التفوق على الروايات المذكورة وغيرها ليتم تصنيفها على أنّها أعظم رواية في القرن العشرين. وبالمقارنة مع رواية جويس “يوليسيس”، فإنَّ رواية “البحث عن الزمن المفقود” ، الرواية الأطول في العالم بصورة رسميَّة، فإنَّ رواية بروست تميزت باستخدام الكاتب للجمل الطويلة التي، ومن خلال أسلوبه الأدبي، مزج فيها بين الذاتي والموضوعي، وبين الفلسفي التأملي، والواقعي الحقيقي، وبين الخيال القصصي والسيرة الذاتية. وتميزت الرواية بأسلوبها السردي العميق.

تعدُّ “رواية البحث عن الزمن المفقود”، حسب النقاد والأدباء، ملحمة فلسفيَّة إنسانيَّة تحمل بين كلماتها تناقضات الحياة. تقع الرواية في سبعة أجزاء أو (مجلدات) وحين صدر الجزء الأول منها وهو بعنوان “جانب منازل سوان” في نهاية العام 1913، أي قبل انطلاق شرارة الحرب العالمية الأولى بفترة قصيرة. بعد نهاية الحرب، حصل هذا الجزء من الرواية على جائزة “غونكور” الفرنسيَّة لفن الرواية عام 1919. 

استغرقت كتابة الرواية بأجزائها السبعة سنوات طويلة كان الكاتب خلالها على فراش المرض. وصرَّح كريستوفر برندرغاست، وهو مؤلف للعديد من الكتب حول بروست بما في ذلك أحدث كتاب نشره هذا الكاتب وهو بعنوان “الحياة والممات مع مارسيل بروست”، بصعوبة إيجاز أو اختصار هذه الرواية.

وفي حديث للقسم الثقافي في الـ (بي. بي. سي) قال برندرغاست “إنَّ عالم الخيال في أعمال بروست كان عالماً ثابتاً مما جعله عصيَّاً على أيَّ نوع من أنواع الإيجاز أو التلخيص. وقال إنَّ الرواية تحكي قصة حياة شخص من مرحلة الشباب الى مرحلة النضج. وأضاف “أنَّ مراحل حياة هذا الشخص الذي تتحدث عنه الراواية تشمل عدة سنوات عاش خلالها بطل الرواية العديد من خيبات الأمل”.

وتمثل هذه الرواية بأجزائها السبعة السيرة الذاتية للكاتب وهذا ما جعلها الأكثر أهمية في تاريخ الكتابات الأدبيَّة لأنَّها طورت الأساليب السرديَّة بشكل أسهم في تطوير التقنيات السرديَّة. وقد أطلق الباحثون على هذا الأسلوب اسم “تيار الوعي في السرد” وهو الأسلوب الذي عمل كل من فرجينيا وولف وجيمس جويس على ترسيخه. وقد اشتهر بروست بأسلوبه السردي الذي تناول من خلاله تجاربه في الحياة وذلك على حساب الحنكة الروائيّة. 

وفي حديثه عن تلك الرواية، قال الكاتب روجر شاتوك إنَّ رواية “البحث عن الزمن المفقود” تتضمن في أحداثها أماكن واضحة وشخصيات إنسانيَّة، كما أنّها تغوص في الكثير من التغيرات الكبيرة في نهاية القرن العشرين الذي شهد تراجع الطبقة الأرستقراطية وصعود الطبقات الوسطى في فرنسا، فضلا عن تجارب الحياة التي زادت من فهمنا للحب والطبيعة، وهذا جعل منها “أعظم رواية في القرن العشرين”. وتقدم الرواية أملا لكل أولئك الذين يعتقدون بأنَّ حياتهم هي عبارة عن “ضياع” لأنَّهم لم يتمكنوا من إيجاد هدفهم في الحياة.

تتألف الرواية من سبعة أجزاء تمَّ نشرها بين عامي 1913- 1927، أولها جانب منازل سوان ثم أتبعها بـ (في ظلال ربيع الفتيات، جانب منازل غرمانت، سادوم وعاموره، السجينة، ألبرتين المختفية، والزمن المستعاد). وقد بدأ بروست بكتابة هذه الرواية في عام 1909.


بروست: طفولته وحياته

ولد بروست في عام 1871 في العاصمة الفرنسيَّة باريس. عانى من مرض الربو منذ الطفولة. توفي والده في عام 1903. وبعد وفاة والدته في عام 1905، تدهورت حالته الصحيَّة وتغيَّرت نظرته للمجتمع ليختار العزلة بعد ذلك. 

عمل في سنواته الأخيرة على إنهاء روايته وهو على فراش المرض. وقد نالت هذه الرواية شهرة كبيرة في فرنسا والعالم وجعلت منه واحدا من أهم روائي القرن العشرين، وقد حرص بروست في هذه الرواية على سرد ذكريات شبابه والتجارب التي خاضها في حياته.

في عام 1896 نشر بروست أول عمل أدبي له بعنوان “المتع والأيام” وهو عبارة عن مجموعة من القصص القصيرة والمقاطع النثريَّة. كما كتب بروست مجموعة من المقالات النقديَّة والقصص القصيرة لعدد من الصحف الفرنسيَّة. درس القانون في بداية حياته، لكنّه تفوق في الأدب والنقد الأدبي وكتابة المقالات.

عن الـ (بي. بي. سي)