مختصون: السينما العراقية فنٌّ مهمٌّ وثقافةٌ مهملة

ثقافة 2023/01/19
...

 استطلاع: صلاح حسن السيلاوي


ما رأيك بما يقدم من سينما عراقية؟ وما هو السبب الذي يجعل الدولة بمؤسساتها المعنية كوزارة الثقافة ونقابة الفنانين، شحيحة في دعم إنتاجها؟  لماذا لا تفكر الدولة بإعادة دور السينما المغلقة؟  بمَ تقيّمُ مستوى النخب السينمائية المحلية؟ ماذا تحتاج هذه النخب  لتصل مستويات إنتاجية مهمة كماً ونوعاً؟ ما تقييمك للمواضيع التي يختارها صناع السينما في البلاد؟ وهل تجدهم قادرين على النهوض بحاجة المجتمع العراقي لها ثقافيا وإبداعيا؟ 

عن هذه التساؤلات وغيرها بحثت عن إجابات مع نخبة من المختصين والمهتمين في هذا المجال عبر هذا الاستطلاع.

سينما دون مستوى الحدث 

الناقد السينمائي كاظم مرشد السلوم تحدث عما يقدم من أفلام عراقية مشيراً إلى عدم ملاءمتها وحجم الأحداث التي مر بها العراق على الاقل بعد عام 2003، والتغيير الحاصل في نيسان منه وما نتج عن ذلك من تداعيات كثيرة، خصوصا على المستوى الاجتماعي الذي يمكن للسينمائيين من خلاله ايجاد العديد من الموضوعات المهمة، ولفت سلوم إلى أن العراق حافل ومتخم بالحكايا منذ القدم، وما يقدم الآن لا يتلاءم وحجم وأهمية ما ذكر.

وأضاف بقوله: وزارة الثقافة وغيرها تشكو قلة التخصيص المالي، وهذا يعني عدم معرفة من هم بموقع المسؤولية، إضافة إلى شيوع ذهنية التحريم بعد العام 2003، وتراجع الانتاج السينمائي بسبب ذلك، حتى أنَّ كل دور السينما سواء في بغداد او غيرها من المحافظات قد اختفت فيها دور العرض، التي كانت تشكل علامات ثقافية فيها ومرتبطة بذاكرة الناس، والملاحظ كذلك أن هناك اهتماماً بالمسرح على حساب السينما، سواء في دائرة السينما والمسرح أو في نقابة الفنانين، فلم يترأس منهما سينمائي، بل مسرحيون ينحازون للمسرح، والدليل عجزهم عن اقامة مهرجان سينمائي مهم يحمل اسم العراق ويليق به.

ناشدنا كل الوزراء الذين تعاقبوا على وزارة الثقافة بترميم دور العرض او بعض منها، خصوصا أن لدينا فيضا كبيرا من الموظفين بالإمكان أن يعملوا في تشغيل هذه الدور، ولكن لم يستجب لدعوتنا أحد.

وقال ايضا: السينمائيون الحاليون مؤهلون ليكونوا هم النخب السينمائية مستقبلاً، الجيل السابق شبه منتهي، وأقصد أن الجيل الجديد يواكب كل التغيرات التقنية والفنية التي طرأت وستطرأ على السينما، عكس الجيل السابق. أنا أعرف السينما بأنها “صناعة وفن تخضع لحسابات السوق ودلالة شباك التذاكر” وهذا التعريف لا ينطبق على واقع السينما العراقية، منذ أن تراجع شباك التذاكر.

السينما تحتاج لرأس مال لكي تنتج، وأصحاب رؤوس الأموال يخافون الاستثمار في حقل السينما، لذلك بقي الانتاج مقتصراً على السينما المستقلة.

المواضيع تؤخذ من الواقع وهي عديدة فكما يقول الجاحظ المعاني ملقاة على الطرقات، لكن التناول يبقى قاصراً ما دام الانتاج فقيرا ومحدوداً. لا يمكن أن تحقق السينما رسالتها التثقيفية والابداعية ما لم تسر على طريق الانتاج الصحيح، وهذا لا يتحقق بدون رأس مال كافٍ، فالسينما صناعة جماعية وليست عملاً إبداعياً فردياً. 


انعدام السينما الروائيَّة والأفلام الطويلة  

القاص علي حسين عبيد يجد أن الفن السينمائي أكثر الفنون تأثيراً في الناس، وأكثر مقدرة على تلطيف شخصياتهم وتشذيبها وتهذيبها، وجعلها أكثر قربا وحيازة للتحضّر في السلوك والتفكير وطريقة إدارة حياة الإنسان الفرد والجماعة، لافتا إلى أن ما يُقدَّم في مجال السينما العراقية، يكاد لا يسجل حضورا وإن كان بسيطا على مستوى الداخل.

وأضاف عبيد قائلا : السينما الروائية أو الأفلام الطويلة تكاد تنعدم في العراق، لكن على مستوى الأفلام القصيرة التسجيلية وسواها، هناك حضور عراقي أفضل على المستوى الخارجي، لكنَّ ثمة فرقاً بين النوعين من الأفلام (الطويلة والقصيرة) الأولى تكاد تكون أوسع جماهيريا، وبالتالي أكثر تأثيرا في عقول وثقافة وسلوكيات الناس، وهذا النوع من الأفلام قليل أو منعدم، والأفلام القصيرة ليست جماهيرية، بل يمكن أن نطلق عليها أفلام نخبوية تستهدف جمهورا نوعيا يتّسم بالقلة، وهو وإن حُسِب على الفن السينمائي فبسبب جمهوره القليل يكون تأثيره الجمالي والأخلاقي والفكري أقل.

أما سبب عدم اهتمام الدولة ومؤسساتها الرسمية بالسينما، فهو معروف بسبب انشغال الساسة بما يفيدهم أكثر، ويعود عليهم بالأرباح السياسية السريعة، فالاهتمام بالسينما لا يضيف لبعض الساسة وبعض صناع القرار شيئا، لكنه يضيف للشعب الكثير، وطالما أن فائدة الشعب لم تدخل في حسابات بعض الساسة وأهدافهم، فإن السينما تبقى مهملة، وما يثير الاستغراب حقا ضعف دور المؤسسات المدنية في قضية الاهتمام بالسينما مثل نقابة الفنانين، التي تكاد تكون بلا حول ولا قوة ولا تأثير في دعم صناعة السينما بالعراق. لذا لا تفكر الدولة بإعادة فتح دور السينما المغلقة لأنها لا تلبي مصالح بعض الساسة. 

من الأمور التي علينا الإشارة لها والاعتراف بها هي وجود نخب سينمائية جيدة في العراق، لا سيما في مجالات التمثيل والاخراج، وقد أثبت الممثل العراقي قدرته ونجاحه حين اندمج في المشهد الدرامي السوري أو المصري أحيانا، وحتى في بعض الأعمال الدرامية بالعراق، فالممثل المتميز موجود والمؤلف المبدع حاضر والمخرج الموهوب متوفر، لكن المشكلة بقلة الدعم (المدني الأهلي القطاع الخاص، والرسمي الحكومي) للمثل وللمخرج ولصناعة السينما.

وقال عبيد موضحا: هناك حاجة كبيرة لتدخل القطاع الخاص ومؤسسات الدولة لكي يتحقق الإنتاج الفني السينمائي الرصين كمّا ونوعا، ومتى ما آمن الأثرياء وصنّاع القرار في الدولة، بأن دعم السينما يحقق لهم أرباحا مادية ومعنوية جيدة، سوف يتحقق الدعم المطلوب وسوف نلمس مستوى فنيا سينمائيا متفوقا في العراق.

في الأفلام السينمائية القصيرة التي تمَّ انتاجها في العراق ومنها فازت بجوائز دولية مرموقة، هناك مضامين مهمة ومتطورة تعرض لقضايا الإنسان العراقي ومعاناته ومشكلاته وأزماته الوجودية والواقعية، في إطار فني متميز يستحق الثناء، أما على مستوى الأفلام الطويلة فإننا نعاني من شح وضعف في الأفكار والمضامين، ونعاني من صناعة الأفلام أصلا.

وأخيرا قضية النهوض بالسينما العراقية تحتاج إلى خارطة طريق مدروسة ومدعومة بإرادة القرار التنفيذي الداعم لهذا الفن، مع أهمية دعم الفنانين ماديا ومعنويا.  


محاولات فقط 

المخرج السينمائي سعد العصامي ذهب في إجابته إلى عدم صحة القول بوجود سينما عراقية خاصة، مبينا أن ما يقدم اليوم من أفلام ما هي سوى محاولات من صناع الأفلام لإبقاء العراق على خريطة الإنتاج السينمائي، في الوقت الذي لا تبذل به وزارة الثقافة أي جهد لدعم صناعة الأفلام في العراق، على حد وصفه.

وقال العصامي موضحا: تحتاج السينما الى أموال كثيرة وهي على العكس من باقي الفنون التي لا تستهلك الأموال بهذا المستوى، وتجربة الدولة مع أفلام بغداد عاصمة الثقافة عام 2013 قد ألقت بظلالها على صناعة السينما في العراق، خاصة بعد كم الفضائح التي رافق صناعة أغلب الأفلام وعقود الفساد التي رافقتها، ومنذ عام 2013 اختفى أغلب هذا الدعم، أما عن نقابة الفنانين وأنا أتحدث عن تجربة لي معهم، إذ لم أستطع الحصول سوى الوعود التي لم تتحقق أبدا. إن الحصار الاقتصادي الذي تم فرضه على العراق كان له الأثر الأكبر في إغلاق دور العرض السينمائية بسبب انقطاع العراق من استيراد الأفلام السينمائية، التي تحركها الماكينة الأميركية عبر البوكس أوفس، وهذا أدى إلى إغلاق دور العرض وبيعها وبالتالي تحولت أغلبها إلى مخازن للمواد، أما اليوم فقد بدأت سينما المولات بتحقيق ما هو مطلوب منها عبر استقطاب الشباب والعوائل العراقية لمشاهدة أحدث الأفلام السينمائية.

وأضاف العصامي أيضا: في العراق توجد مجموعة جيدة من صناع الأفلام العراقيين الذي استطاعوا وضع أسمائهم على خريطة الإنتاج السينمائي في الوطن العربي والعالم، ولهذا أرى أن العراق يمتلك صناع أفلام جيدين إذا ما توفر لهم الدعم الكافي. هناك العديد من العوامل التي تؤثر في وصول الأفلام العراقية الى مستويات مهمة ومنها الفكرة الجيدة والسيناريو المحبك وفريق العمل الجيد واختيار الممثلين، والأهم هو الاختيار الموفق للمخرج المتمكن من أدواته المعرفية والجمالية، لأن المخرج هو المبدع الرئيس للفيلم، وهو الذي  يقود المشاهد من أجل الحصول على أقصى متعة، جميع هذه العوامل إذا ما توفرت، إضافة إلى وجود المال الكافي فسنحصل على فيلم جيد يستطيع المنافسة في أهم المهرجانات السينمائية.

أغلب مواضيع صناع الأفلام في العراق تتحدث عن الحروب والفقر والظلم وهذا شيء طبيعي، لأن الإنسان وليد بيئته التي يسكن بها ويتأثر بطبيعتها، ولكني أتمنى منهم الخروج من هذا الواقع المؤلم والتوجه نحو الكوميديا وباقي الأصناف السينمائية المعروفة. أرى أن صناع الأفلام العراقيين قادرون على النهوض بواقع السينما إذا ما توفرت لهم الظروف الإنتاجية الملائمة لتحقيق أحلامهم. 


المنتج والكاتب والمخرج 

القاص محمد الميالي أشار برأيه إلى أهمية السينما بوصفها لغة مشتركة تصل إلى كل العالم، ويفهمها المشاهد دون عناء وإن لم تترجم. ولفت إلى أن ضرورة السينما  تكمن باعتبارها رسالة إنسانية، تقدم الشعوب من خلالها ما تريده أن يصل إلى من يشترك معها في هذا الكوكب، فتوصل عبر ممكناتها المعتقدات الدينية والسياسية والأعراف والمعتقدات، فضلا عن تاريخ وحضارة الأمم، كما أنها المكوك الذي ينقل كل الثقافات باختلاف مرجعياتها.

وقال الميالي مبينا: العراق الذي يعد مهد الحضارات ومحط الديانات السماوية وأول من دون وقرأ وهو أمة ناهضة شاعرة ساردة، ولكنك تجده عاجزا عن تقديم رسالته من خلال هذه اللغة المشتركة (السينما). لذلك لا بد من الوقوف عند هذه الإشكالية، والسؤال الذي يطرح هو: ما هي الأسباب؟

هل هو غياب نظرية المثلث المتساوي الأضلاع الذي يجمع (المنتج - الكاتب - المخرج) بالكامل، أم أن المثلث غير مكتمل؟ والجواب هو عدم التقاء أضلاع المثلث بالشكل الصحيح، أي عدم حضور المنتج المناسب لإنتاج سينما مع كاتب مختص ومخرج صاحب رؤيا ابداعية ترينا لغة سينمائية واضحة قادرة على أن تقدم مشروعا سينمائيا يليق بالعراق، وقد تعرضت السينما في العراق إلى محاولات فاشلة أطاحت بالمشروع بشكل تام في السنوات الأخيرة، خاصة من خلال مشروع وزارة الثقافة سيئ الصيت، والحديث عن سينما ستينية وسبعينية هو مجرد تعكز على عصا معثوثة في حقيقة الأمر، كما أن الأفلام القصيرة التي يعتقد الجميع أنها سينما، ما هي إلا الطريق إلى السينما، ومحاولات مجردة  خلقتها الفكرة، أما بالنسبة إلى مهرجاناتها فهي محاولات للتسلية والظهور الوهمي لثلة قليلة نراها تتكرر في كل

المهرجانات.

وأضاف الميالي موضحا: استنادا إلى رأي المخرج الألماني ألفريد حين سئل عن الفيلم، قال (هو السيناريو ثم السيناريو ثم السيناريو) أقول: علينا البحث عن نص (سيناريو) ناهض يواكب الفكر السينمائي العالمي، خارج حدود العاصمة يحمل رسالة مهمة كون النص هو قاعدة المثلث، ثم البحث عن مخرج له تجربة وخبرة ورؤية قادرة على أن نبدأ بها من حيث انتهى الآخرون، ولا أتحدث عن الانتاج كون العراق بلد الخيرات غير عاجز من أن يدعم السينما انتاجيا، مع مراعاة النزاهة، وهذه مهمة وزارة الثقافة التي تنصلت عن مهامها، كما أن الآخرين سكارى وما هم بسكارى، جل تفكيرهم في أنفسهم فقط، والعراق ورسالته لا وجود لها حتى في آخر حساباتهم، لذلك أقترح أن تخرج هذه المهمة من بغداد إلى من يهمهم العراق في أماكن أخرى منه.


دولة بلا سينما 

المخرج السينمائي لواء الخفاجي يرى أن ما يقدم حالياً في السينما العراقية هو شبه معدوم قياسا بما كان عليه في السبعينات والثمانينيات من أفلام على مستوى العدد والنوع والجودة والاحترافية في الإنتاج. مشيرا إلى وجود شركات الإنتاج كشركة بابل للإنتاج والتوزيع الفني وكذلك ما يتم إنتاجه من تلفزيون العراق، إضافة إلى وجود شركات إنتاج في القطاع الخاص بالتعاون مع شركات في الخارج كان وراء ذلك لافتا إلى أن الانتاج سابقا كان يأتي بهمة وعزم وإصرار كل القائمين على العمل، وليس كما يوجد حالياً من ضمور ونفق أسود يلوح فيه جزء بسيط جدا من نور السينما وذلك عن طريق ما يتم إنتاجه من أفلام قصيرة عبر بعض الشباب وبجهود ذاتية وتحدي الصعاب، التي تواجههم أثناء رحلة صناعة

الفيلم.

وأضاف الخفاجي قائلا: عدم دعم الدولة ومؤسساتها للسينما يسببه الفساد المالي والإداري المستشري، إضافة إلى عدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب. عندما تسأل المسؤول عن هذه الأسباب يجيبك بسبب قلة التخصيص المالي لهذا العام وأنهم غير قادرين على إنتاج أبسط الأعمال، الأعمال التي يتم مشاهدتها على القنوات الفضائية، خصوصاً في شهر رمضان من إنتاج القنوات نفسها، وجميع حقوق ملكيته الفكرية لها، وسيتعرض كل من يحاول أخذ العمل من دون موافقة القناة إلى المساءلة القانونية، وهنا نثبت تقصير المؤسسات الثقافية والنقابة في دعم الأعمال الفنية من جميع النواحي.

أما بالنسبة لدور العرض السينمائية عندما لا يكون هناك إنتاج للأفلام فماذا يتم العرض في هذه الدور؟ إضافة إلى قلة الاستثمار في هذا المجال وجعله في بعض الأماكن، التي تعد بالاصابع في المولات وغيرها وبعض المتنزهات وبتقنية 3d من أجل كسب القليل من المال وهناك أسباب تخص سياسة الدولة، كأن يكون تواجد دور السينما هو يصب في فساد المجتمع وعرض ما يخدش الحياء العام متناسين الدور الرقابي للعرض، وعرض الأفلام الهادفة بكل عناوينها من تاريخي وعسكري واجتماعي يصب في إصلاح المجتمع والإنسانية. بعض الأفلام السينمائية أجبرت الدولة على سن قوانين جديدة بسبب رسالة الفلم الهادفة وتأثيرها في الجمهور وواقعية ما تم معالجته من مشاكل هي في تماس مباشر مع حياة

الإنسان.

معظم النخب السينمائية هاجروا خارج البلد، ولا يتوفر لهم ما يسد حاجتهم بسبب ضعف وقلة الإنتاج وقلة الأجور، التي يتقاضونها على العمل الواحد، فنشاهد البعض منهم أخذ طريق المسرح التجاري والآخر ترك العمل في هذا المجال وجلس في بيته، ليمتهن مهنة أخرى والآخر أخذ الطريق الأكاديمي والحصول على الشهادات العليا ليمتهن مهنة التدريس والتمثيل في حال توفر الفرصة الملائمة، اما من الناحية الفنية يوجد لدينا ممثلون محترفون جداً ومتمكنون من ادواتهم. 

تحتاج السينما العراقية إلى دعم حكومي، وشركات إنتاج رصينة. وهناك الكثير من المخرجين والفنانين وكتاب السيناريو، نحتاج فقط لتكاليف الإنتاج لنعود إلى الإنتاج الكمي والنوعي كما كان في السابق.