علاء هاشم
تعبّر حركة اليمين الديني في الولايات المتحدة الأميركيَّة، عن جذورٍ دينيَّة خلاصيَّة تتمثل بعودة المسيح إلى حكم العالم في نهاية الزمان، وهي حركة دينيَّة مسيحيَّة تتبناها جماعات من المحافظين البروتستانت، ظهرت هذه الحركة في أوروبا وأميركا خلال القرن الثامن عشر، إلا أنَّ العام 1976 شكل بداية نهوض هذا اليمين كفاعلٍ سياسيٍ رئيس، وعلامة فاصلة في ازدياد قوة الحركة وتأثيرها وإمكاناتها، وقد أطلقت الصحافة على العام 1976 تسمية عام الإنجيليين الأصوليين، إذ سجل ذلك العام بداية ولادة العديد من التنظيمات والمؤسسات والبرامج السياسيَّة والشعبيَّة المرتبطة بشكل أو بآخر بالكنائس الإنجيليَّة والأصوليَّة. وهناك عوامل أسهمت في نهوض وبروز هذه الحركة داخل الكنائس الإنجيلية والأصولية، لعلَّ أهمها الاحتلال الإسرائيلي للقدس في 1967، ووصول الرئيس جيمي كارتر إلى الحكم في الولايات المتحدة الأميركيَّة في العام 1976، وإعلانه بأنَّه وُلد للمرة الثانية كمسيحي بسبب دعمه الكبير لهذه الحركة ولإسرائيل.
ومنذ أواسط سبعينيات القرن الماضي، أخذ تأثير هذه الحركة يتزايد، في ما يخص تحديد شكل السياسة الخارجيَّة للولايات المتحدة المتبعة بشأن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين. وكان دورها آنذاك يتسم بالضغط على الإدارة الأميركيَّة بهدف المضي بتأسيس وتمكين الدولة اليهودية في فلسطين. وتؤمن هذه الحركة بأنَّ ثمة إرادة متمثلة بقيام إسرائيل، وأنَّ الله يساعد من يساعدها ويعادي من يعاديها، وقيام إسرائيل بالنسبة لهذه الحركة يؤكد توافر الشرط الذي طال انتظاره من أجل العودة الثانية للمسيح، وبالتالي فإنَّ الدفاع عن إسرائيل، هو عملٌ ديني يرتبط بثوابت إيمانيَّة، وليس موقفاً سياسياً يتأثر بالمتغيرات، الأمر الذي يجعلها تعتبر وجود إسرائيل تجليًّا إلهيًّا وتجسيدًا لحكمة سماوية، وعلى هذا الأساس فإنَّ ممارسات العنف التي يقوم الإسرائيليون تجاه الفلسطينيين لها مسوغٌ مقبولٌ ما دامت مطابقة للثوابت الدينيَّة التي يؤمن بها البروتستانت الأميركيون. ووفقاً لهذه التجليات المفرطة في تسويغ ممارسة العنف والانتهاكات الإنسانيَّة، فإنَّ جميع القوانين والمواثيق، سواء بين الدول أو المنظمات الدوليَّة، لا تنطبق على إسرائيل، لأنها تختلفُ عن الكيانات السياسيَّة الأخرى في العالم، من حيث إنَّ وجودها الذي هو تجسيد لإرادة إلهية وتحقيق لنبوءة الكتاب المقدس.
يشيرُ عالم الاجتماع الألماني هاينرش فيلهلم شيفر في كتابه “صراع الأصوليات، والحداثة الأوروبيَّة” إلى أنَّ “اليمين السياسي الجديد في أميركا أسهم في التسييس المستمر والاحترافي للدين في أميركا، ولا يزال اتحاد المصالح بين المحافظين الجدد السياسيين والأصوليين سارياً حتى
اليوم.
فقد شهدت السنوات الأخيرة ما يمكن تسميته بتديين الحياة السياسيَّة الأميركيَّة، ومن ثم السياسة الخارجيَّة الأميركيَّة، إذ صارت علاقات الولايات المتحدة بالعالم الخارجي تُبنى وتُدار في كثير منها وفق تصورات دينيَّة”، وهذا كفيل بأنْ يجعلنا نفهم ما قاله وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو “إنَّ الله أرسل ترامب هدية لحماية إسرائيل من إيران”. هكذا تبدو الحال عندما يتحد الدين بالسياسة واللاهوت مع التاريخ، ليخلق علاقة بين البروتستانتيَّة واليهوديَّة من جهة، وبين الأصوليَّة البروتستانتيَّة والصهيونيَّة اليهوديَّة من جهة أخرى، لتؤمّن عودة شعب المختار إلى أرضه الموعودة في فلسطين، وإقامة كيانه فيها، تمهيداً للعودة الثانية للمسيح وتأسيسه مملكة الألف عام.