عن بناء الدول المخرّبة

آراء 2023/01/22
...

 عبدالأمير المجر 

العراق بعد ثورة تشرين المباركة بدأ يتعافى تدريجيا، ولعلَّ أهم ما تحقق هو أن العراقيين باتوا ينبذون الأسس الثقافية التي قامت عليها (العملية السياسية)، والمتمثلة بمفهوم المكونات والفدرلة وغيرها، وهذا الرفض هو الممهد الشرعي لثورة تشرين، مثلما أن الثورة نفسها هي الممهد الحقيقي لبناء البلاد من جديد، لكن البلاد وبعد سنين طويلة من التخريب المنظم أصبحت إعادة بنائها أعقد وأكثر كلفة.

يتفق البناؤون في العالم، وكل أصحاب الخبرة في هذا المجال، أن بناء اية منشأة أو دار، أسهل بكثير من إعادة ترميمها بعد تخريب اصابها، وستكون المهمة أعقد وأصعب كلما كان التخريب كبيرا.. العراق الحديث بني على مراحل، وايضا تم تدميره على مراحل! البناء وإن كان بطيئا، لكنه كان سهلا قياسا إلى الترميم الذي يحصل بعد كل جولة تدمير، ونحن نعرف المراحل التي تعرضت فيها الدولة ومؤسساتها إلى تدمير ونعرف ايضا حجم الثمن الذي دفعناه، ولا نريد أن نخوض في تفاصيل ما حدث ومسؤولية من، لأن هذا يدخلنا في جدل طويل لسنا بصدد الحديث عنه الآن، فما نريد قوله هنا هو أن البعض بيننا لا يريد أن يعرف حجم التدمير والخراب، الذي شمل جميع مفاصل الحياة بعد العام 2003 بلحاظ أن البلاد تعرضت إلى تدمير شبه شامل في حرب العام 1991، وشلّ الحصار الطويل الحياة فيها لنحو ثلاثة عشر عاما.. تدمير ما بعد الاحتلال كان الأكثر قسوة، لأنه استهدف الانسان قبل البناء واستهدف روح الدولة قبل مؤسساتها، وكان الهدف منه التمهيد لتفكيكها وفقا للدستور والقوانين، التي مهدت ايضا لتقسيم الشعب وخلق فجوات نفسية بين أبنائه، وبعيدا ايضا عن التفاصيل التي رافقت ذلك وما دفعناه من ثمن، نقول إن العراق بعد ثورة تشرين المباركة بدأ يتعافى تدريجيا، ولعلَّ أهم ما تحقق هو أن العراقيين باتوا ينبذون الأسس الثقافية التي قامت عليها (العملية السياسية)، والمتمثلة بمفهوم المكونات والفدرلة وغيرها، وهذا الرفض هو الممهد الشرعي لثورة تشرين، مثلما أن الثورة نفسها هي الممهد الحقيقي لبناء البلاد من جديد، لكن البلاد وبعد سنين طويلة من التخريب المنظم أصبحت إعادة بنائها أعقد وأكثر كلفة.. بعض العراقيين لم ينتبه إلى عدد الدورات المتخرجة من الكلية العسكرية وكلية الشرطة وغيرها من الحلقات المفصلية للدولة، ولم ينتبه إلى عودة الانضباط لهذه المؤسسات، وإن ليس بالمستوى الذي كان عليه سابقا، لكن الامر لا يقارن أبدا بالسنين الاولى، حيث اللاّمهنية والضباط (الدمج) والفوضى العارمة، التي أوصلتنا إلى كارثة داعش والخراب المضاف للخراب السابق، أو الذي جاء نتيجة طبيعية له.. هذا البعض من العراقيين يريد تغييراً شاملاً في كل مفاصل الدولة بشكل فوري، وينعى ثورة تشرين لأنها، كما يزعم، لم تقدم شيئا على أرض الواقع! لا نلوم الناس البسطاء إن تحدثوا بذلك لأنهم قد لا  يعرفون التعقيدات، التي تواجه عملية إعادة ترميم البلاد بعد كل هذا الخراب، لكن أن يكون المثقف والمتعلم هو من يبث اليأس في نفوس الناس، فإن هذا خراب مضاعف وتثبيط للعزائم وخدمة مجانية لمن يريد إبقاء الأوضاع على ما هي عليه أو إعادتها للسابق.. نعم وبكل وضوح نقول، إن السلاح المنفلت لن يتم القضاء عليه الاّ بعد ان تبنى مؤسسة عسكرية وأمنية رصينة، وهذا ما تسير عليه البلاد فعلا وليس تمنيا، والفساد لن ينتهي بقرار بل بإرادة سياسية والإرادة السياسية، تحتاج إلى آليات موضوعية ومهنية لتجسدها في الواقع، وليس للحماسة فقط.. فخراب هذه المدة الطويلة يحتاج إلى مدة مناسبة لإصلاحه، ولن يتم بين ليلة وضحاها، أو كما كان الكثيرون يريدون ذلك من حكومة الكاظمي، بعد تسلمها لمهامها بأشهر قليلة.. علينا ألا نسكت عن المطالبة بكل ما يحتاجه الشعب، لكن ايضا علينا ألا نطلب ما لا تستطيع مؤسسات الدولة فعله الآن، لأنها في طريقها للنضج وسيجد الفاسدون انفسهم امام حقيقة مختلفة، ودولة بإرادة سياسية قادرة على إنفاذها في الواقع.. وهذه ليست تمنيات، بل حقائق.. والعراق لن يعود إلى الوراء أو يكون في جيب هذه الجهة أو تلك كما كان في مرحلة 

ما... ولن!