الكتاب.. كلفة صناعيَّة وقيمة تنويريَّة

ثقافة 2023/01/22
...

 بغداد: نوارة محمد 

تواجه صناعة الكتاب أزمة عراقية وعربية وتمتد بأثرها على دول عدة في الغرب والشرق الأقصى، ورغم تباين الأسباب إلا أن أغلبها يصب في موجة ارتفاع الأسعار التي تواجه العالم اليوم، عراقياً، الورق المصنوع محلياً لا يسد احتياج السوق في طباعة الكتب، لا سيما في ظل ارتفاع أسعار صرف الدولار وتذبذبها، ومن ثم ارتفاع أسعار الورق والأحبار وأجهزة الطبع المستوردة التي تقف جميعاً بوجه عملية تداول الكتاب. كثيرون ممن التقيناهم فسروا موجة “الخراب” هذه بأسباب عدة.

يقول الكُتبي صاحب دار نابو للطباعة والنشر والتوزيع سامر السبع: قد يبدو الكلام عن تأثر سوق الكتاب بارتفاع أسعار الورق عالمياً، وتذبذب سعر الدولار على المستوى المحلي نوعاً من البطر! ولكن لا بأس بأن يعرف الجميع قبل البدء بالحديث عن وضع الكتاب. بأن العالم اليوم ينتج الآلاف من البضائع الفائضة عن الحاجة والتي يتلقفها الإنسان المتعولم من دون أدنى معرفة في السؤال عن أهميتها. وأن الكتاب الذي قد لا يكون من أولويات الجموع الاستهلاكية، لن يندرج يوماً من الأيام في قائمة الأشياء الفائضة عن الحاجة. ويبقى موت الأشجار لأجل الكتب. موت عذب جداً. 

ويضيف أن “هنالك ضغطا كبيرا يواجه الناشر العربي. مع الارتفاع الكبير الذي يشهده سوق الورق في العالم. فاليوم مثلاً سعر طن الورق ما يقارب 1500 دولار، بينما لم يكن سعر الطن يتجاوز مبلغ الـ 1000 دولار في بداية عام 2022. ويؤثر هذا الارتفاع بشكل واضح على تكاليف صناعة الكتاب الورقي. مما يدفع الناشر إلى إعادة النظر في بعض الأحيان في الإصدارات. وإعادة طباعة بعض الكتب التي تنفد طبعاتها. أما في ما يخص الناشر أو الموزع العراقي. فأن الوضع أكثر تعقيداً. لأنّ الناشر هنا يطبع خارج العراق، وكل تعاملاته النقديّة تكون بالدولار. ومع ارتفاع سعر الدولار. تزداد جميع تكاليف عملية صناعة الكتاب. مما يؤثر بشكل واضح على الجدوى الاقتصادية التي من الممكن يحصل عليها الناشر. ذلك أن كانت هناك جدوى أصلا”. 

هذه الفوضى ينجم عنها تبعات لا نهاية لها وسوق الكتب يواجه النصيب الأكبر في هذه المرحلة والحرب في أوكرانيا التي أدت إلى ارتفاع سريع في سعر الاستيراد وارتفاع الطلب كانت سبباً في ذلك. وبحسب الخبير الاقتصادي الدكتور ميثم لعيبي فإنَّ “هناك علاقة طرديَّة بين ارتفاع سعر الدولار واستيراد الخدمات الاستهلاكية، ويمتد هذا التأثير الموجي على الأسواق بشكل عام، وسوق الورق لا ينفصل عن هذه الدائرة. وهذه الزيادة الحاصلة ترتبط بحالة اقتصاد البلد منذ أن واجهنا صعود سعر الدولار عام 2020 التي أثرت بنسبة 25 بالمئة، والتي لن تقف عند هذا الحد في الأيام الأخيرة”. ويوضح لعيبي أنّ “تأثر الكتاب بهذه التقلّبات ما هي إلّا حالة بديهيَّة، إذ إن ارتفاع الأسعار يرتبط طردياً بانخفاض المبيعات والطلب، كونها واحدة من السلع الكماليّة”. 

وأثرت خيبة الأمل هذه بشكل كبير على القُرّاء الذين سُرعان ما واجهوا صعوبة في الحصول على عناوين الكتب بأسعار مناسبة، إذ أصبح شراء الكتب في عراق ما بعد 2003، يقلُّ بشكل تدريجي. عدا هذا وذاك فنحن نواجهُ العوالم الصناعيّة تلك التي اجتاحت كل مفاصل الحياة، لا سيما المنصات الإلكترونية التي توفر الكتب بشكل غير قانوني، وحالات التزوير التي يشهدها سوق الكتب، إذ يقول مسؤول في دار الرافدين حسين أكرم، إن “سوق الورق هي سوق عالمية والمطابع المعتمدة تقع في إيران وبيروت، ولفترات طويلة غزت المطابع الإيرانية سوق الكتاب، إذ تتعامل بأسعار أنسب مما كان في بيروت، ولكن الأزمة التي واجهت هذين البلدين أثرت بشكل كبير على تداول الكتاب”.

 ويتابع: حين نعود لارتفاع سعر الورق في الآونة الأخيرة علينا أن نضع بالدرجة الأولى أزمة النقل العالمي، وهو يتضاعف مزامنة مع الصعود الذي تواجهه الدول الداعمة للطباعة (بيروت وإيران). 

شخصيًا أظن أنّ هذه الدول لم تعد في حالة استقرار تام لتبدي اهتماماً كبيراً بالطباعة والورق، كما كانت في السابق. نحن عدا هذا وذاك يجب أن لا ننسى أن التاجر العراقي عليه تسديد فواتير (النقل والطباعة والأجور) بعملة الدولار، وهذا يضطره هو الآخر إلى أن يرفع سعر الكتاب، كل هذه تقف بوجه سوق الكتاب وتداوله”، بحسب أكرم. 

لكن مُحبي الأدب ممن أحبوا هذه المهنة بعيداً عن أرباحها التجارية يرون أن الكتاب بحاجة لأن يأخذ نصيبه في الترويج بعيداً عن أزمة السياسة وعاصفة الخراب التي لاحت كل مفاصل الحياة، إذ يرى الكاتب والمترجم ورئيس مؤسسة أبجد للنشر والتوزيع حسين نهابة هذه العملية بالقول: لسنا تجاراً في البورصة نقع ضحايا الأزمات العالمية، أرى أنني صاحب مشروع ثقافي لا يشكل المكسب المادي أهمية كُبرى بالنسبة لي. ونظرا لأني أعمل في مؤسسة تعتمد الدولار بالدرجة الأساس فإنّ التأثر في هذه الموجة العالمية يبدو قليلاً أو شبه

معدوم.»