الذبح العشوائي في الديوانية يثير استياء المواطنين

ريبورتاج 2023/01/22
...

  الديوانية : عباس رضا الموسوي 

  تصوير: نهاد العزاوي 

منذ سنوات ليست بالقليلة أغلقت الجهات ذات العلاقة المجزرة الوحيدة في مركز محافظة الديوانية لأسباب تتعلق بعدم صلاحيتها، ومنذ تلك الفترة وحتى يومنا هذا انتشرت ظاهرة الذبح العشوائي من قبل أصحاب محال القصابة رغم إجراءات الردع التي تتخذها اللجان الرقابية، ناهيك عن المخالفات الأخرى التي ترتكبها أغلب تلك المحال ومنها سوء تخزين اللحوم وانعدام النظافة فيها وغيرها من مشكلات أخذت تتسع، ما يضع صحة المواطنين على المحك، بينما يتسبب الذبح في الشوارع أو الساحات بالعديد من المشكلات النفسية خصوصاً عند الأطفال وأصحاب الأمراض القلبية، فضلا عن كونه ظاهرة غير حضارية ولا تصب في صالح التحضر ومواكبة العصر.

سوء تخزين 

كثيراً ما تستقبل صالة الطوارئ في مستشفى الديوانية التعليمي حالات تسمم سواء كانت بسيطة أو خطيرة، وربما إن لم يكن مؤكداً أن أكثر من هذه الأعداد تعالج داخل الأسرة باستخدام بعض الأدوية المعروفة، ويرجع أغلب أسباب هذه الحالات إلى سوء تخزين المواد الغذائية ومنها اللحوم.

إذ يقول المواطن أحمد عبد الأمير الجابري: "لقد أنقذني الله من الموت المحقق قبل ثلاثة أشهر بسبب تسمم شديد أصابني ولولا إرادة الله لكنت ضمن أعداد الموتى، مبيناً أن أسباب التسمم تعود لتناوله كبدة عجل اشتراها من أحد محال القصابة في سوق الديوانية خصوصاً أنه كان يشك بعد شرائها بأنها مخزنة بشكل غير جيد، و"لكن من حسن الحظ أن أفراد أسرتي كانوا قد سبقوني بتناول وجبة الغداء عند عودتي من السوق، ولم يأكلوا منها" حسب قوله. 

بينما يقول المواطن جليل نعاس :"إن كثرة حالات التسمم التي يتعرض لها الناس ونسمع بها بشكل مستمر، لم تمنعنا من شراء اللحوم لذلك تعرضت مع أسرتي لحالة تسمم بسيط، كانت السبب بابتعادنا عن محال القصابة خشية من حدوث ما لا يحمد عقباه، مشيراً إلى أنه شاهد ولأكثر من مرة سوء تخزين اللحوم في بعض محال القصابة ومن ذلك استخدام مجمدات قديمة عاطلة عن العمل تعج داخلها الروائح الكريهة.


أماكن ذبح 

لأن الذين يعملون بشكل غير نظامي، غالباً ما تتوفر لديهم القدرة على ابتكار الطرق الملتوية التي تسهل عليهم عملية الخداع التي يمارسونها بحق الآخرين، فإن البعض من هؤلاء القصابين قد أوجدوا أماكن غير نظامية لذبح الأغنام والأبقار، متخذين من سواد الليل غطاءً للتستر على فعلتهم تلك، ويحدثنا الكاتب عادل ناصر العبادي قائلاً : "إن الظواهر السلبية التي تشهدها سوق بيع اللحوم في مركز محافظة الديوانية، وباقي الأحياء السكنية كثيرة، ولكن ذبح الحيوانات في أماكن غير نظامية ليلاً، دون خضوعها للفحص الطبي هي المشكلة الأخطر"، مشيراً إلى أن الحكومة المحلية مطالبة بالتدخل الفوري لوقف هذه الظاهرة التي تعرض أرواح المواطنين إلى الخطر المميت، خصوصاً أن اللحوم الحمراء تدخل بشكل كبير في مائدة الأسر، وأن الضمانة الوحيدة لسلامة هذه الحيوانات من الأمراض هي خضوعها للفحص قبل ذبحها.

مبدياً استغرابه من عدم تحرك الجهات المعنية رغم خطورة الوضع، وكثرة شكاوى المواطنين الذين باتوا يعانون من مشكلات الحياة اليومية بشكل كبير، وما بقي لهم سوى صحتهم ليواكبوا هذه الحياة وسط سيل من التحديات.

غياب النظافة

إن ظاهرة انعدام النظافة أو شحتها في بعض محال القصابة واضحة للعيان ويسهل الاطلاع عليها من قبل المتسوقين حيث انتشار بقع الدم، وتكدس اللحوم ما ساعد على تواجد الحشرات وغيرها من مظاهر تدل على غياب النظافة التي هي أساس الصحة. 

يقول الإعلامي والشاعر عماد المطاريحي : "إن انعدام النظافة في بعض محال القصابة ظاهرة يجب مواجهتها بالطرق القانونية، خصوصاً أنها أخذت تتسع رغم بعض الإجراءات الخجولة، التي اتخذت في هذا الجانب المهم"، مشيراً إلى أن البعض من محال القصابة تعرض لحومها في الهواء الطلق دون أن تكترث للأمراض التي قد تنشرها الفيروسات والحشرات والأتربة، وهذا الأمر الذي بات واضحاً في الأسواق المحلية والأحياء السكنية له مردودات خطيرة على حياة المواطنين، فضلاً عن كونه ظاهرة لا تدل على احترام القصاب لصحة الناس، وتنم عن عدم اكتراثه لدور الجهات الرقابية، بالإضافة إلى أن عرض اللحوم في الهواء الطلق وتحت رؤوس المارة يتناقض مع كل ما يمت للحضارة بصلة.


أبعاد نفسيَّة 

من المعروف أن هناك عدداً لا يستهان به من المواطنين، من الممكن أن يتعرضوا إلى انزعاج نفسي شديد أثناء رؤيتهم لنحر الحيوان وجريان الدماء بغزارة، لتكسو الشارع باللون الأحمر، إضافة إلى رغاء الحيوان لحظة دفاعه عن النفس، وغيرها من المشاهد التي من الممكن أن تؤثر نفسياً حتى في الفرد السليم، فكيف الحال مع الذين يعانون من أمراض نفسية أو ضعف في القلب؟ وكيف يكون حال الأطفال وهم يشاهدون هذا المنظر الذي يتكرر في طرقات وأسواق مدينتهم؟. 

يقول المرشد النفسي علي كامل : "إن الحديث عن الذبح خارج المجزرة، يحتاج إلى المزيد من الوقت لما له من مردودات سلبية على نفسية الإنسان، خصوصاً الأطفال وأولئك الذين يعانون من مشكلات صحية"، مشيراً إلى أن أغلب محال القصابة تقوم بجزر الأبقار والأغنام أمام أنظار المواطنين، وليس ببعيد عن الجهات المختصة التي يتوجب عليها منع هذه الظاهرة البشعة، التي أخذت تتفاقم، لا سيما أنها تسببت بمشكلات نفسية دون أن ينتبه إليها الناس لقلة خبرتهم الطبية، وأضاف: أن أكثر الذين لديهم مشكلات قلبية هم عرضة للخطر في حال مشاهدتهم لهذا المنظر الدموي.

إجراءات الرقابة 

لا يخفى على أحد أن للدور الرقابي أهميته الكبيرة في مجال الردع، خصوصاً مع الذين يحتاجون إلى الرادع القوي ليتوقفوا عن التصرفات المؤذية للآخرين، وقد شاهدنا في حياتنا كيف يندحر هؤلاء النفر أمام الإجراءات القانونية التي لا ترحم المخالفين، ولا تغفر لهم ما أقدموا عليه من استهتار في حياة الناس ومقدراتهم. 

وبخصوص الإجراءات القانونية التي أتخذت في المجال الرقابي، يقول عضو لجنة الرقابة الصحية في محيط مركز محافظة الديوانية الدكتور مخلص الشباني لـ "الصباح" : "إن اللجنة الرقابية ماضية في اتخاذ الإجراءات القانونية، التي تنسجم مع المخالفات التي يرتكبها أصحاب محال القصابة وبشكل يومي، موضحاً أن هذه الإجراءات تتمثل بالإنذار وفرض الغرامات المالية وغلق المحال وغيرها، خصوصاً أن تعريض أرواح المواطنين إلى الخطر جريمة يحاسب عليها القانون.

مضيفاً أن أبرز التحديات التي تواجه عمل اللجنة الرقابية، تكمن بعدم انتهاء العمل بمشروع المجزرة النموذجية ما أوجد ظاهرة الذبح العشوائي، التي ترفضها اللجنة، فضلاً عن مخالفات صحية أخرى تتمثل بسوء تخزين اللحوم، ونظافة المحال والحصول على إجازة المهنة، وغيرها من المشكلات، مؤكداً قيام اللجنة الرقابية بإتلاف كميات كبيرة من اللحوم الفاسدة وبشكل يومي للحفاظ على سلامة المواطنين.

ونبه الشباني على ضرورة التزام أصحاب محال القصابة بالشروط الصحية التي زودوا بها ومن ذلك أن تكون اللحوم مختومة وأن يحصل القصاب على إجازة ممارسة المهنة والإجازة الصحية وتوفر قانصة الحشرات ومستلزمات النظافة وغيرها من الشروط الصحية.