{أريد حلاً}.. الفيلم الذي غيّر قانون الأحوال المصري

ثقافة 2023/01/23
...

  كتابة وإعداد: محرر سينما


هل تصدقون أنَّ فيلماً سينمائيا، غيَّر في قانون الأحوال الشخصية المصرية، نعم حدث هذا في فيلم "أريد حلاً"، الذي مثلته فاتن الحمامة ورشدي أباظة وأخرجه الموهوب والجريء سعيد مرزوق، المتمرد على آباء السينما التقليديين، من خلال تيار غاضب أسسه سينمائيون شباب، وأطلقوا عليه اسم "السينما الجديدة"، بتأثير من إحباطات هزيمة 1967، وثورة الطلاب الفرنسية، وحراك السينما الجديد في بريطانيا، متخذين من  السينما وسيلة للتغيير الاجتماعي والسياسي ، فكانت أفلامهم تتسم بجرأة الطرح والمعالجة. 

ومن هنا تنبع أهمية الفيلم، الذي أنتجه الممثل الشهير صلاح ذو الفقار في العام 1975 عن قصة حقيقية حدثت لفاتن الحمامة، بعد أن غادرها عمر الشريف إلى عالم الشهرة والأضواء، فطلبت الطلاق منه، لكنّه رفض وظلّت فاتن معلّقة، إلى أن تمَّ طلاقها بعد عشرين عاماً، هذه القصة كتبتها الصحفية حسن شاه، بتكليف من سيدة الشاشة العربية، وأفلمها  سعيد مرزوق، بعد أن وضعَ شروطاً لقبول إخراجها، التي وافقت عليها فاتن الحمامة فورا، نجح الفيلم نجاحاً كبيراً وحقق إيراداتٍ عالية، واستقبلته النساء بحماس حتى أن سيدة اشترت جميع تذاكر إحدى دور العرض، ووزعتها مجانا بين النساء، فليس غريباً أن يصنف "أريد حلاً"، ضمن أفضل مئة فيلم، مؤثر اجتماعيا في تاريخ السينما المصرية.  

 أثارتْ قصة الفيلم التي جعلت الرئيس المصري السادات وزوجته، يتعاطفان مع محنة بطلته، فأصدرت حكومته في ما بعد تعديلاً على قانون الأحوال الشخصية المصرية، باسم قانون جيهان (تيمنا بالسيدة جيهان زوجة الرئيس)، التي تأثرت كثيرا بمعاناة بطلته، وتحمست لإنصاف النساء المعنّفات والمعلقات.  

الفيلم الذي صوّره مصطفى أمام  ومنتجه سعيد الشيخ، ووضع موسيقاه التصويرية جمال سلامة، يحكي  قصة دريَّة (فاتن حمامة)، الطالبة الجامعية وبنت الأسرة  ثرية، التي يتحكم فيها أب متسلط ينتمي إلى  البرجوازية الريفية، يتقدم إلى خطبتها مدحت سيف النصر الدبلوماسي الارستقراطي المتعالي وزير نساء شبه المدمن على الكحول (أدى دوره رشدي أباظة في ثاني تعامل له مع فاتن الحمامة، بعد فيلمهما" لا وقت للحب")،  فيوافق الأب على كل شروطه، بما في ذلك استعداده لأن تترك ابنته الدراسة لأنّه "يعرف الأصول" لا تملك درية إلا أن توافق، على الرغم من رفضها لطريقة زواجها، وصلافة الخطيب الذي يأمر وينهي، ويختبرها أن كانت تجيد اللغة الفرنسية، وحينما تجيبه بنعم، يختبرها من خلال حوار باللغة الفرنسية، فالزوجة من وجهة نظره محض ديكور، ولازمة "بريستيج"....   يتزوجان ويطير بها إلى مقر عمله في باريس، يعاملها كدمية وحسب "الاتكيت"، بعيدا عن مشاعرها الإنسانية، ويقول لها" لولا أن الحكومة المصرية لا تسمح بالزواج من الأجنبيات لما تزوجت مصرية أبداً ".. يعاملها بعنف وتكتشف خيانتها لها مع زوجة صديقه بعد أيام من زواجها تغضب وتعود إلى أسرتها، التي تواجه تصرفها بالاستهجان،  وتعيدها إلى باريس ..يحصل شرخ بينهما ويسقط بنظرها كزوج، تنجب طفلا وبعد عشرين عاما، تطلب الطلاق فيرفض مدحت بشدة،  لأنها من وجهة نظره ملكة، لتدخل في متاهة المحاكم ولا تحصل على أي شيء سوى التأجيل.  

 تحمل أعباء الفيلم ممثلان كبيران هما فاتن حمامة ورشدي أباظة في دور الزوج الارستقراطي، الذي شمله التطهير، لكنه يتعكز على قيم طبقته الزائلة، اذ قدما مباراة في الأداء التمثيلي الراقي والمؤثر، بعيدا عن الميلودراما المصرية، ألهمهما مرزوق، الذي تعلّم السينما من غير وصاية الآباء، وكالعادة نجحت فاتن الحمامة بأدائها وملامح وجهها، التي تجمع بين البراءة والحزم، بتجسيد شخصية المرأة التي تكافح للحصول على حريتها في معركة خاسرة. 

ويميل سعيد مرزوق في بواكير أعماله إلى التجريب، اذ نجح من خلال ثلاثة أفلام أن يكرّس أسلوبا مختلفا، بعيدا عن نمط السينما المصرية، إلا أنه عمد في فيلم "أريد حلاً"، الذي هو فيلم سياسي واجتماعي بامتياز، ترك كل تجاربه السينمائية، ليقدم فيلما متماسكا طغى فيه الموضوع على التجريب، موظفا أساليبَ جديدة في السرد، اذ نراه يلجأ إلى العودة للوراء في سرد أحداثه، ولكن بسلاسة من دون يفقد السرد متعته، فمثلا تجلس درية  في المحكمة وهي في غاية القنوط، مما ترى من عذابات النساء وعويلهن، تلفت لنجد أنفسنا في زمن آخر.

 أشبع مرزوق سرده البصري بحكايات مقاربة للإشكالية درية، فثمة خطوطٌ سردية مساعدة، لنساء مقموعات نراهن في المحكمة، وهنَ يحاولن الحصول على الحد الأدنى من حقوقهن، من دون جدوى.