الألوان المائيَّة.. تقبل المصاعب

ثقافة 2023/01/23
...

 سوزان تشانغ

 ترجمة: مظفر لامي


تشتهر الألوان المائيَّة بصعوبتها وتسببها بمشاعر الإحباط والانهزام وخيبة الأمل. بالخصوص لأولئك الرسامين الذين يضعون كل آمالهم في إنجاز لوحة يفخرون بها، بالرغم من أنّهم بدؤوا للتو في استخدامها. فنحن في العادة، نأخذ الأمر على محمل الجد في المراحل الأولى من التعلّم، ونضع تركيزنا الكامل على الموضوع الذي نحن بصدده.  

في الرسم، يمكن لذلك أن يتجلى في نمط التحكم الذي يعمل جيدا مع وسائط لونيَّة مثل الأكريليك، إذ يعمل الطلاء بطريقة يمكن التنبؤ بها. يذهب حيث تضعه، واللون الذي تراهُ على لوح الألوان الخاص بك هو الذي ستحصل عليه على ورقة الرسم. الألوان المائيَّة لا تعمل بهذه الطريقة، فكل ما زدت من محاولاتك للتحكم بها جابهتك بمزيد من المصاعب. 

عندما كنت في كلية الهندسة المعماريَّة، كان لدينا صف دراسي وضع نمطا تفكيريا في تحدٍّ، وغيَّرَ للأبد أسلوبي في التعامل مع جميع الوسائط اللونيَّة. أتذكر أن الأستاذ سألني، بعد اطلاعه على معاناتي مع المواد التي اخترتها لتنفيذ أحد المشاريع التي كلفنا بها، إن كنت قد فكرت يوما في احترام المواد التي أستخدمها، وسمحت لها بتأدية دورها الطبيعي من خلال صفاتها الخاصة. 

تساؤله هذا جعلني أتريث قليلا وأتمعن في فحوى هذه الكلمات التي أوصلتني لحقيقة في غاية البساطة مفادها أن السماح للمواد بالقيام بعملها هو كل ما أنا بحاجة إليه. تعاملت مع الألوان المائيَّة بهذه الطريقة؛ التعرف على خصائص المادة اللونيَّة، التعامل معها بيقظة، تبني إمكانياتها، والعمل معها بدل محاولة التحكم بها. وأظن أن ذلك كان السبب الأهم الذي جعلها تبدو لي ممتعة جدا. ومن خلال تجربتي الشخصية، سأستعرض الأسباب التي تدعوني للنظر للألوان المائيَّة على أنها صعبة، وفي المقابل، كيف لهذه الصعوبات أن تجعل منها مادة لونيَّة غاية في الجمال. نحن نعلم أن الطبيعة السائلة لهذه الألوان، ينتج عنها بالضرورة صعوبة في التحكم. فالماء يتدفق ويتحرك في جميع الاتجاهات. واستجابة الطلاء تكون مختلفة تبعا لوجود مياه كثيرة، مياه كافية أو القليل من المياه. مما يعني، وجود عوامل عديدة يمكن لها أن تغير النتيجة النهائية لرسمنا. لكن هذه الميزة الفريدة في الألوان المائية هي من تجعلك تحصل على الحواف الداكنة التي ترغب بها وفي ذات الوقت تستطيع إنشاء مزج منسجم وجعل اللون يختلط باللون المجاور له.   ثمة صعوبة أخرى تتعلق بشفافية الألوان المائيَّة التي تقلل من فرص تدارك الأخطاء، فإذا جف الطلاء بعد ضربة فرشاة خاطئة لا يمكن إخفاؤها بطبقة أخرى من الطلاء ما لم تضطر لجعلها مساحة داكنة، وإن واصلت وضع طبقات الطلاء لإخفاء العيوب ستعرض اللوحة في النهاية للتلف بسبب كثرة المعالجات. أما رسم الخطوط والمساحات الداكنة، فهو يأتي بعد الألوان الفاتحة ورسمها قبل وضع الطبقات الأولى يعني مزيدا من المتاعب. برغم كل ذلك، شفافية الألوان المائيَّة لها الفضل في إضفاء اللمعان الذي يكاد يتوهج في بعض اللوحات، وفي التقاط سطوع الضوء على البتلات الرقيقة للأزهار والبقع المتوهجة على الأسطح.   الشكوى التالية، تتعلق بخاصية الثبات في الألوان المائية، التي يتعذر معها حذف الألوان أو الأخطاء سوى بنسبة قليلة جداً باستخدام المناشف، وفي الغالب، ما أن يجف اللون على الورقة حتى تمتص أليافه الأصباغ بسرعة تربك من يعمل عليها. ولو فكرت مليَّاً لوجدت أن الأمر لا يختلف كثيرا عن استخدامنا للقلم. في المقابل، هذه الخاصية اللونيَّة هي السبب في المظهر الديناميكي الذي نراه في لوحاتنا، والكيفيَّة التي تستقر بها الدهانات على الورق- داكنة بشدة في مساحات، وأفتح من غيرها في مساحات أخرى - هي من تجلب الاهتمام المتزايد باللوحات المنفذة بهذا النوع من الألوان. وبالنسبة لي، أنا مغرمة برؤية الألوان أثناء جفافها وثباتها على سطح الورق المحبب. 

استخدام اللون الأبيض مختلف هنا أيضا، حيث يستعاض عن الطلاء ببياض الورقة أو طبقة تأسيس شفافة لإظهار المناطق البارزة أو الأكثر إضاءة. الأمر الذي يخلق صعوبة أخرى في الألوان المائيَّة تحتم المزيد من الإعداد المسبق قبل الشروع في الرسم. وأظن أن رؤية المساحات البيضاء المتروكة في اللوحات المائيَّة، تجذب الانتباه إليها كثيرا، وتثير في المتلقي فضولا لمعرفة أي من الأسلوبين آنفي الذكر قد استخدم. 

نحن إذن، إزاء حقيقة واضحة مفادها أن هذه الألوان لا يمكن التنبؤ بنتائجها، بسبب طبيعتها السائلة والكيفية التي تجف بها، وهو دافع مهم، يجعل بعض الرسامين يتعلقون بها، وأنا واحدة منهم. فكثيرا ما أرسم شيئاً وأظن أنه سيكون سيئاً لكني اكتشف بعد جفاف الألوان أن النتيجة لم تكن بالسوء الذي توقعته، وقد تأتي بالعكس في بعض الأحيان. لكن، أليس من الرائع أن تتغير لوحاتنا بعد الانتهاء منها، وتفاجئنا بنتائج غير متوقعة. في كل حال، لا بد لنا من تقبل صعوبات الألوان المائيَّة، فهي السبب في جمالها والحافز الذي يدعونا لاكتشاف أسرارها. وأنا أجد متعة في السماح للفرشاة، والماء والألوان، بالتكفل بالعمل. 

قد يبدو هذا غريباً، وينتج عنه لوحات تالفة كثيرة، لكن تلك الخطوات لا بدَّ منها لفهم كيفيَّة التعامل مع هذه الألوان وتركها تعمل بخواصها

الطبيعيَّة.