رسالة إلى رئيس الوزراء: لا تفعلها رجـــاءً

آراء 2023/01/23
...

  نصيف الخصاف 


لا أشك بنياتكم في ما يتعلق بإصلاح قطاع الكهرباء، وحل هذه الأزمة التي تروج بعض الأطراف المستفيدة من إدامتها، أنها عصية على الحل، لكن يبدو أنكم وقعتم في ذات الفخ الذي وقع فيه كل رؤساء الوزراء السابقين في التعاطي مع هذا الملف، بسبب تضليل الرأي العام الذي نجحت فيه تلك الأطراف أيما نجاح، وسأورد تاليا بعض الأمثلة القليلة من التعاقدات السابقة، عسى أن تسهم في تبيان تفاصيل الصورة الكاملة، دون تضليل وأن تتخذوا القرارات المناسبة لمعالجة هذا الملف:


*  في شهر كانون الاول من عام 2008 وقع وزير الكهرباء العراقي حينها كريم وحيد وبحضور رئيس الوزراء نوري المالكي عقدا مع شركة جنرال اليكتريك لتجهيز العراق ب 56 وحدة توليد طاقة كهربائية، تستخدم أنواعاً متعددة من الوقود، بقيمة مليارين و800 مليون دولار. وكانت طاقة الوحدة التوليدية التصميمية 125 ميغا واط باجمالي 7000 ميغا واط.

وفي ذات الشهر(كانون الاول) 2008، وقع  الوزير ذاته وبحضور رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي عقدا مع شركة سيمنز بقيمة مليار و909 ملايين دولار، لتجهيز العراق ب 16 وحدة توليد كهربائية تبلغ طاقتها الاجمالية التصميمية 3190 ميغا واط، علما أن القدرة التصميمية تختلف عن القدرة الفعلية المنتجة، إذ إن القدرة الفعلية المنتجة لن تتجاوز في أفضل الأحوال 45 %، وهذا أمر يفترض أن يكون معروفا لكادر الوزراة، الذي برر نقص القدرة الفعلية المنتجة، بأن التوربينات التي تم التعاقد عليها تعمل على الغاز- هذا ما ردده بعدها كل رؤساء الوزراء السابقين- بينما تعمل الآن على نوع آخر من الوقود! 

وليس معلوما لماذا تم التعاقد مع كلا الشركتين لـ(تجهيز توريبات) وليس لتجهيز ونصب وتشغيل التوربينات، اي إنشاء محطة إنتاج كهرباء كاملة من قبل هذه الشركات، علما أن الوزارة تعاقدت مع شركات من بلدان مختلفة لنصب هذه الوحدات، وكان المفترض أن يتم الانتهاء من نصبها في غضون عامين، بينما تجاوزت المدة العشر سنوات.

صوِّر (بتشديد الواو وكسرها) لرؤساء الوزراء السابقين أن القدرة التي ستنتج عن نصب هذه التوربينات، ستكون رقما يزيد على العشرة آلاف ميغا فولت أمبير-استنادا إلى القدرة التصميمية- بينما النتيجة كانت لا تتجاوز أربعة آلاف ميغا فولت أمبير، لأن القدرة الحقيقية المنتجة لا تتعدى في أفضل الظروف 45 % كما هو معروف عالميا، وكما أثبتت النتائج المتحققة على الأرض لاحقا.

كما لم يؤخذ عامل الوقت كعامل منافسة بين الشركات، التي نصبت التوربينات ورغم أن المفروض أن يتم العاقد مع ذات الشركات المجهزة للتوربينات لنصبها وتشغيلها، لكن حتى الشركات التي تعاقدت معها الوزارة لنصبها وتشغيلها كانت رديئة، ولم تلتزم بمدد التعاقد، وتطلب بعضها ضعف المدة لإتمام العمل.

* تم إنشاء محطات توليد بعيدة عن مصادر الوقود، فكانت عبئاً على الوزراة وعلى المنطقة، مثل محطة مدينة الصدر.

* تعاقدت الوزارة مع شركات محلية لنصب قواطع دورة في زمن الوزير كريم وحيد أيضا، لتحديد القدرة الكهربائية التي يأخذها كل منزل بعشرة أمبيرات، سرعان ما استغنت عنها العوائل وربطت الكهرباء مباشرة بالقابلوات الرئيسية، وهي عملية بسيطة وستكرر في حالة نصب ما يروج له بمشروع العدادات الذكية.

* رغم أننا نستورد الكهرباء من إيران، ونعمل على استيرادها من الخليج عبر الربط الخليجي، لكن ما زال يروّج في الإعلام وداخل اروقة الوزارة بأن المشكة الحقيقة لأزمة الكهرباء تتعلق بالنقل والتوزيع، ما دفع رئيس مجلس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي إلى توقيع اتفاقيتين مع كل من شركة سيمنز وشركة جنرال الكتريك، بقيمة إجمالية تتجاوز الثلاثين مليار دولار، لنقل وتوزيع كهرباء غير موجودة لا تلبي إلا ما يقارب نصف الحاجة الفعلية للبلد. وللمقارنة فقط تبلغ قيمة العقد الذي أبرمته سيمنز مع مصر ستة مليارات يورو لإنتاج ما يزيد على 14 ميغا فولت أمبير، وبمدة – لاحظ هنا رجاءً- لم تتجاوز السنتين.

*  الاتفاقيتان اللتان تمَّ توقيعهما مع كل من شركة سيمنز وشركة جنرال الكتريك زمن رئيس مجلس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي، لن يصلحا موضوع الكهرباء في العراق للأسباب التالية:

*  الاتفاقيتان تتعلقان – بصفة رئيسية- بموضوعي النقل والتوزيع، بينما مشكلتنا الرئيسية تكمن بالإنتاج وثمة عدة أدلة على ذلك، من بينها نشرة وزارة الكهرباء ذاتها التي تذكر أن معدل الإنتاج مع المستورد مع المحصل من المحطات الاستثمارية يبلغ في أقصى حالاته (18000 ميغافولت أمبير) بينما تبلغ الطاقة المطلوب إنتاجها لتغطي الإستهلاك (31000 ميغا فولت أمبير)، كما أننا نحصل على كهرباء في بيوتنا ما يدل على سلامة خطوط النقل والتوزيع، بينما تبلغ ساعات التجهيز من ساعتين إلى أربع ساعات كل ساعتين ما يدل على شح بالإنتاج.

* صيانة شبكات التوزيع النقل لا تحتاج إلى شركة أجنبية مثل سيمنز أو جنرال الكتريك لإتمامها، فكادر الوزارة وشركاتها قادرة على القيام بذلك بمجرد توفير المواد الأولية (القابلوات، المحولات، الأعمدة، معدات الربط، قواطع الدورة بالإضافة إلى بعض أنواع العدد والأجهزة المتعلقة بهذا الجانب)

* مهما بلغت كمية الأعمال المراد إعادة تأهيلها في موضوعي النقل والتوزيع، فإنها لا تبلغ ربع هذا المبلغ، لأن الشبكة الكهربائية لا تعاني من انهيار تام، بل تعاني من مشكلات بسيطة شأنها شأن أية شبكة توزيع في العالم، بسبب التقادم والاندثار لبعض اجزائها.

* المراد من هاتين الاتفاقيتين تكريس أزمة الكهرباء وليس حلها أولا، وتهيئة الأرضية للشركات الاستثمارية، كي لا تنفق شيئا في موضوعي النقل والتوزيع من أموالها ثانيا، وهناك دوافع أخرى قد يتم الكشف عنها في السنوات القادمة.

سيادة رئيس مجلس الوزراء المحترم:

بما أن ما تم توقيعه في ألمانيا هي (اتفاقيات لم تصل بعد لمرحلة توقيع العقود) أقترح على سيادتكم ما يلي:

*  التعاقد مع سيمنز (أو غيرها) على "إنشاء" محطات توليد بقدرات إجمالية تساوي تقريبا خمسة عشر الف ميغاواط، على أن تتولى شركة سيمنز ذاتها جميع تفاصيل الإنشاء (نصب، وتجهيز، وتوصيل، وتشغيل وتدريب الكادر الذي سيعمل في المحطات)، وترك موضوعي النقل والتوزيع إلى مرحلة لاحقة، حيث تكون لدينا كهرباء تلبي حاجة البلد أولا قبل أن نحتار في نقلها وتوزيعها.

*  أن يدخل عامل الوقت المطلوب إنجاز الأعمال فيه كعامل منافسة بين الشركات المقدمة للعروض، وكذلك يتم التفاوض مع الشركة التي تتم إحالة المشروع اليها، امكانية تقليص المدة إلى الثلث اذا ما وفرنا لها قدرة عمل (أيدي عاملة فنية وهندسية من أصحاب العقود وغيرهم) في ثلاث وجبات عمل متتالية ليستمر العمل على مدار الساعة، فليس من الحكمة إخبار مواطنينا إن الكهرباء ستستمر على حالها المتردي لخمس أو سبع سنوات قادمة.

*  من المهم أن يتضمن العقد أن تعمل التوربينات المطلوبة على الغاز المصاحب، ومن الأفضل توقيع العقود الخاصة باستثمار الغاز بما يوازي توقيع عقود إنشاء المحطات من حيث التوقيع والتنفيذ (المدة المطلوبة لاستثمار الغاز المصاحب تتراوح بين ستة أشهر إلى سنة، وليس إلى خمس سنوات كما يروج في الإعلام).

*  أجد من الحكمة الاستفادة من التجربة المصرية ولا بأس من استنساخها، حيث إن القدرة المطلوب إنتاجها تساوي القدرة المنتجة في المحطات الثلاث، التي أنشأتها سيمنز في مصر، كما أن مدة التنفيذ تناسب حاجة البلد الملحة، وكذلك مبلغ العقد (ستة مليارات يورو) مناسب وسيكون أفضل من الاتفاقية المبرمة مع سيمنز سنة 2019، والتي تكلف ضعف هذا المبلغ ولا تنتج عنها كهرباء تكفي 

لحاجة البلد.