زهير كاظم عبود
بالرغم من التفصيل الوارد في قانون أصول المحاكمات الجزائية النافذ في النصوص، التي ترتب عملية التحقيق والقبض والاستجواب، فإن الدستور العراقي نصَّ في فقرات المادة 19 ما يؤكد ذلك، ولأننا نتاج تجارب مريرة لسلطات تعاقبت كانت تستهين بحرية وكرامة الإنسان دون أن تكون لنا القدرة والامكانية على المواجهة أو الرفض، فإننا اليوم وبحكم تمسكنا بدولة يظللها الدستور وتلتزم بالقوانين، علينا أن نقوم بتشخيص الخلل في الأساليب والطرق، التي تتناقض مع منطق النصوص المتعلقة بقضايا التحقيق والأساليب المتبعة في استجواب المتهمين.
وحيث إننا نسعى إلى دولة يحكمها القانون، فإن الأمر يستوجب التشدد بتطبيق نصوص قانون اصول المحاكمات الجزائية المرقم 23 لسنة 71 المعدل في ما يخص استجواب المتهم، وعليه فلا يجوز استعمال اية وسيلة غير مشروعة للتأثير على المتهم للحصول على اقراره، والوسائل غير المشروعة عديدة منها على سبيل المثال لا الحصر، تهديد المتهم بالإيذاء واساءة المعاملة معه وابتزازه بوسائل عدة، واستعمال التأثيرات النفسية للضغط على المتهم، واجباره على تناول العقاقير والمسكنات والمسكرات واستعمال المخدرات معه.
وبالنظر لأن أسلوب التعذيب في التحقيق أسلوبا يخالف الطبيعة البشرية، ومنهجا يتناقض مع الكرامة، فإن منظمة الأمم المتحدة عقدت اتفاقيات تلتزم بها الدول بمنع التعذيب ومكافحة أساليبه ووسائله، فالمتهم بريء حتى تتم أماطة الحقائق الدامغة في دور التحقيق، والتي تبيح للسلطة التحقيقية احالته على المحكمة المختصة لمحاكمته، وفق النصوص القانونية النافذة والمعمول بها.
وإذ يؤكد الدستور العراقي على حرية الإنسان وصيانة كرامته ويحرم جميع أنواع التعذيب النفسي والجسدي وجميع المعاملات غير الإنسانية، ويؤكد أيضا بأن لا عبرة ولاقيمة قانونية باي اعتراف انتزع بالإكراه أو بالتهديد أو بالتعذيب، ومنح للمتضرر جراء تلك الأفعال أن يطالب بالتعويض المادي والمعنوي، ومن خلال هذا النص انسجم قانون العقوبات العراقي بتخصيص فصل عن الجرائم الماسة بحرية الإنسان، وحرمته والقبض على الأشخاص وخطفهم وحريتهم، إضافة إلى استعمال الأسلوب المتخلف في التحقيق بالاعتداء جسدياً على المتهم من قبل المحقق، فسرعة اجراء التحقيق تحت اشراف ومتابعة قاضي التحقيق المختص، يوفر الفرصة لاستجلاء الاتهامات وأن يتمكن الإنسان البريء أو ممن لا تتوفر الأدلة على ما نسب إليه من اتهام أن يقرر القاضي اخلاء سبيله بكفالة أو الافراج عنه.
إن لجوء المحقق والمشرفين على المعتقلات والسجون إلى أساليب لا تخلو من التعذيب الجسدي والنفسي، والحط من الكرامة البشرية أمرٌ يستدعي اخضاع من يمارس مثل هذه الأفعال غير القانونية إلى التحقيق والمساءلة القانونية، ومن ثم الأدانة وايقاع العقوبة الرادعة بمرتكب هذه الافعال المخالفة لكل القوانين.
اللجوء إلى التعذيب دليل فشل المحقق وعدم قدرته على السيطرة وقيادة المهمة التحقيقية، وهي من المهمات القانونية التي نظمها قانون أصول المحاكمات الجزائية، ورسم لها القانون طريقاً دقيقاً لا يمكن مخالفته لأي سبب وبأي حال من الأحوال.
لا يجبر المتهم على الإجابة على الأسئلة التي توجه اليه، فإن هذا المتهم تكون جميع اقواله المأخوذة تحت التعذيب والقسر والإكراه غير قانونية إذا ما ثبت ذلك، وبالتالي لا قيمة لها أمام المحكمة المختصة.
إضافة إلى عدم قبول التبريرات والذرائع التي تحاول تقديم اعذار بسبب تلك الانتهاكات والتعذيب، وإزاء تصاعد وتائر التعذيب الإنساني الذي يتعرض له العديد من البشر، ما يجعل هذه الظاهرة المرضية التي تتعارض مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومع القانون الإنساني الدولي، ومع القوانين الوطنية بالنظر للضرر الجسيم والفادح، الذي يلحق بكرامة الإنسان وحقوقه القانونية من جراء التعذيب.
هذا مما دفع بمنظمة العفو الدولية أن تعلن أنها تعتزم تكثيف جهودها للتصدي للتعذيب والتصرفات الأخرى القاسية وغير الإنسانية.
وذلك من خلال إطلاق حملة ضد التعذيب والمعاملة السيئة التي يتعرض لها المعتقلون في إطار الحرب ضد الإرهاب، وأطلقت المنظمة ذلك عشية اليوم العالمي لدعم ضحايا التعذيب.
وتشكل الأساليب التي كانت تمارسها السلطات البائدة علامة مشينة وتاريخاً أسودَ ممتلئاً بالدم والحزن والالم، وحتى نمسح تلك الصفحة من ذاكرتنا المتعبة، وأن نتعاضد للتمسك بالأساليب القانونية، وبما يضمن حقوق وكرامة الإنسان العراقي مهما كان مركزه القانوني أو الاجتماعي، فان التزاماتنا توجب أن نبدأ بالمحاولة اعتماد المناهج القانونية والتمسك بأساليب التحقيق المتحضرة والتي سبقتنا اليها الأمم، وأن نطور أيضا أساليب التحقيق وزيادة الوعي لدى المحققين، وأن نعاقب فعليا كلَّ من يرتكب جرما ينتهك فيه كرامة أو جسد من يخضع للتحقيق، وفي هذا الصدد تقول السيدة دنيس سيرل مديرة الحملات في منظمة العفو الدولية إن التعذيب هو أدنى مستويات الفساد الذي تشهده الإنسانية.
وأضافت أن محاولات تبرير أعمال التعذيب وإساءة معاملة المعتقلين، تهدد الحظر العالمي ضد التعذيب وسوء المعاملة.
ودعت منظمة العفو الدولية جميع الحكومات والجماعات المختلفة عبر العالم إلى وضع حد للتعذيب وإساءة معاملة المعتقلين.
بلدنا اليوم يعاني من هذه الظاهرة التي يمكن التخلص منها من خلال انتشار الوعي القانوني واعتماد الثقافة القانونية، وتمكين رجل القانون المناسب ان يشرف على مجريات التحقيق في الجرائم والافعال المخالفة للقانون.