مايكل باركس.. رومانسيَّة الخيال المحلّق

ثقافة 2023/01/26
...

 ترجمة: رامية منصور 

 

أول من أطلق مصطلح الواقعيَّة السحريَّة هو الناقد الألماني فرانز روه في العام 1929، لوصف أعمال الفنانين الألمان الذين صوّروا كل ما هو حياتي بصورة غريبة ومنفصلة ببنائيتها الخياليَّة والأسطوريَّة عن البنائيَّة الواقعيَّة التي تنطلق منها!

 واحدةٌ من أهم التقنيات الفنيَّة التي يستخدمها سيد الواقعيَّة السحريَّة، الفنان مايكل باركس، هي تصويره لشخصيات اللوحة على جرف مرتفع، كما في لوحة "أثينا". حيث يخلق شعوراً بالخطر في الجدليَّة الهادئة للوحة. يتجمّد الحصان العظيم على حافة الصخرة، تنظر "أثينا" إلى أسفل بخوف، لكن الإلهة "أديتي" بجناحيها الممدودين تحميها من الأذى. الإلهة الأم، ربّة الشفاعة "أديتي" التي يجسّدها الفنان بشكل كائن أسطوري بأجنحة ناعمة كبيرة تغطي الفتاة الشابة أثينا بعناية. إنَّ نظرة المرأة موجهة نحو المستقبل، ومن المحتمل أنّ الإلهة الأم هنا ترشدها وتبقيها في طريقها إلى الزواج والأمومة، الوجهة الرئيسة للمرأة في الحياة. في لوحة الحارس الشخصي تتعلّق فتاة شابة بثقة بحاميها الرائع الذي نبت له جناحان بدل اليدين، لكنّهما رقيقان جداً، والجسم كبير وقوي والسيف وراء الحارس الشخصي جاهز وحاد. لوحة الليل والنهار يسودها جو انعدام الوزن، عالم باركس الخاص، المحيط بلوحاته، حيث يقوم بتفكيك نظام هذا العالم وإعادة تكوينه وفق نظام جديد على مزاجه لكنه يستند لقطع الواقع القديم.. رجل وامرأة، رمزيَّة الليل والنهار، طرفا صراع الأضداد في الأساطير الشرقيّة.. غالبًا ما توجد كائنات واقعيَّة مرة ومحوّرة أخرى، وغالبًا ما تكون تلك الكائنات من فصيلة القطط. في لوحة "الليل والنهار"، يجلس القط بالقرب من الوعاء الذي يتصاعد منه دخان البخور. ترى البجعات تمسك بحبل رفيع، والفتاة الحسناء بإشارة من عصاها السحرية، تمشي على طول ذلك الحبل متجهة صوب الأمير الصغير، الذي تخفيه العفاريت الشريرة.

يأخذ بأيدينا مايكل باركس، رائد الواقعيَّة السحريَّة والنحات ومصمم الأحجار الحجريَّة، إلى مشاهد الأحلام الأخاذة والرومانسيَّة.. منذ عقود صعد نجمه كفنان تشكيلي في عالم الفن حيث لم يحقق سوى عدد قليل من الفنانين مثل هذا النجاح في ميدان الفن. كان أول معرض شخصي له في أمستردام في العام 1977. ثم تلتها معارض شخصية في بازل للفنون في سويسرا، وآرت شيكاغو، وآرت فير نيويورك، ومعرض فرانكفورت للكتاب، ومعرض أمستردام للفنون. والعديد من المعارض في صالات العرض الخاصة بهم في أمستردام ونيويورك منذ عام 1977 فصاعدًا.

على الرغم من كونه قد درس فن الجرافيك والرسم في جامعة كنساس، إلا أن أسلوبه الفريد تطور كثيرًا بعد فترة اعتزال تخلى فيها عن ممارسة الفن تمامًا وسافر إلى الهند بحثًا عن أنوار الفلسفة الشرقيَّة، إذ كان مايكل باركس جزءًا من جيل الهبيين الكبير.

رسم مايكل باركس في مرحلة سابقة بالأسلوب التعبيري التجريدي، ولكن بعد توقفه عاد للرسم ولكن هذه المرة بأسلوب يهتم بإظهار أدق التفاصيل للوحات والشخوص التي تمكنه من التعبير بأقصى درجة عن عالمه الداخلي.. كان الأسلوب من حيث المبدأ واقعيًّا، والموضوع سحري، وقد ميّزت الواقعيَّة السحريَّة عمله منذ ذلك الحين لليوم.

درس مايكل باركس بعمق العقائد الباطنيَّة للشرق والغرب، وقد وظّف حكم القبالا والتانترا في لوحاته، ولكنّه جسّدها في أشكال من خياله بطريقة أقرب للمتلقي. هنا نجد الوحوش الغريبة جنبًا إلى جنب مع النساء المجنّحات الغامضات، ويتقاتل الخير والشر في صراعهم القديم، لكنك لن تكون متأكدًا من حقيقة أي الفريقين الخير وأيّهما الشر في أجواء انعدام الوزن هذه.. إنّه يعيد صنع العوالم وتركيبها بمنطقيَّة محلّقة في فضاء لا نملكه رغم أنَّه يتملّكنا.