أين حق المستقلين؟

آراء 2023/01/26
...

 باسم محمد حبيب


 أهم ما لاحظناه في توزيع المناصب سواء العليا أو الدنيا خلال المدة السابقة، هو أن فرصة المستقلين في توليها كانت إما ضئيلة أو معدومة، إذ عملت القوى السياسية الفائزة في الانتخابات على تقسيم المناصب في ما بينها، فلم تترك أي فرصة لتولي مستقلين لها، وحجتها في ذلك، أن هذا هو أحد حقوقها كونها الفائزة في الانتخابات، فضلا عن كونه موجوداً في كل الأنظمة الديمقراطية بما في ذلك الأنظمة الغربية.

لكن هل فعلا هذا موجود في تلك الأنظمة؟ أم أن الحقيقة غير ذلك، إن ما يجب إدراكه هنا، هو ضرورة التمييز بين توزيع المناصب العليا كالرئاسات والوزارات، وتوزيع المناصب الأدنى منها كوكلاء الوزارات والمدراء العامين وغيرهم، فما يحصل في تلك الدول، هو توزيع للمناصب العليا في الدولة فقط، أما المناصب الأخرى، فتبقى مرتبطة بالتراتبية المؤسسية والعمل الوظيفي، وما يجري فيه من ترقية تبعا للكفاءة والأداء، لذا تبقى المؤسسات محافظة على هيكلها وعلى مسار عملها، فلا يحصل فيه تغيير كبير، بخلاف ما يحصل في العراق، حيث يتم توزيع جميع المناصب بين القوى الفائزة، بما في ذلك المناصب الدنيا كالشعب والأقسام وغيرها، مثل منصب مدير بلدية قضاء أو ناحية أو مدير شعبة زراعة أو مدير قسم في مديرية صحة أو تربية.. الخ، ما يؤدي إلى أرباك عمل الدوائر، وخلق بلبلة في داخلها، وشعور بالغصة والمرارة لدى من يرى نفسه أهل لتلك المناصب.

فهل من حق القوى السياسية الفائزة في الإنتخابات أو التي بيدها القرار السياسي أن تأخذ كل المناصب في الدولة أو أغلبها، ولا تترك للآخرين إلا القليل أو لا شيء على الأطلاق؟ فهذا الأمر يتناقض مع أهم سمة يجب أن يتسم بها العمل المؤسسي، وهي احترام الترقية القائمة على أساس الكفاءة وحسن الأداء، لأنه يؤدي إلى الأتيان بأشخاص قد لا يكونون الأكفأ والأفضل أداءً ليتولوا المناصب، بينما يحرم من يفوقونهم كفاءة وأداءً، لا لشيء إلا لأنهم غير منضويين للأحزاب أو غير مقربين منها، وهذا لا يؤثر في نفسية هؤلاء فيجعلهم محبطين وغير راضين فقط، بل ويضعف من وتيرة الأداء داخل المؤسسات والدوائر الحكومية مقارنة بالعمل للأحزاب والزعامات السياسية.

إن من الضروري تغيير هذه الحالة غير السليمة، بضمان حق المستقلين والمنضوين للأحزاب الصغيرة في تولي المناصب أسوة بالمنضوين إلى الأحزاب الكبيرة أو المقربين منها، فيحظى هؤلاء بحصة غير قليلة من المناصب، فضلا عن ضرورة إبعاد المناصب الأدنى من منصب وزير عن عملية التوزيع، التي تجري للمناصب بعد تشكيل كل حكومة، فيبقى تولي تلك المناصب رهناً بالكفاءة والأداء وليس رهناً بالانتماء أو الولاء السياسي.

فمن أجل ديمومة عمل المؤسسات وتطوير عملها وإبعادها عن الصراعات السياسية، لا بد من وضع معايير جديدة، تضع الكفاءة والأداء معيارا رئيسيا في توزيع المناصب، بما في ذلك المناصب العليا، وأن يكون للمستقلين وغيرهم حقٌ في تولي أي منصب يكونون جديرين به.