توقف سبيلبرغ عن الهروب من سرديته الخاصة في {ذا فابلمانز}

ثقافة 2023/01/30
...

  مروان شوقي

 فاز ستيفن سبيلبرغ بثاني جائزة غولدن غلوب كأفضل مخرج، بعد جائزتي اوسكار، بفيلمه "ذا فابلمانز" ذي الخصوصية الشديدة، عنه وعن أسرته وطفولته، وانبهاره بالسينما من صغره، وكيف كبر ذلك الشغف معه، أولى ومضات من بصيرة صناعة الأفلام، جنبًا إلى جنب مع صدمة الأسرة، ويركز الفيلم على الصراع بين الدافع الفني والمسؤولية الشخصية.

يعدُّ الفيلم من أفلام السيرة الذاتية البحتة، كما قال المخرج، حتى أنه استعان بشقيقاته لعقد جلسات حوار مع كاتب الفيلم توني كاشنير، لتذكر الأحداث كما جرت تماما، يقول سبيلبرغ إنه قصة شخصية للغاية، هذه هي المرة الأولى التي أعرض فيها شيئا خاصا للعامة، قصة فكرت أن لديها بعض المميزات عن أبي وأمي وأخوتي والسنوات التي كنت أكبر فيها". 

روى سبيلبرغ القصة "بتفاصيلها" خلال مسيرته الطويلة، ولكنه كان "يختبئ" منها منذ أن كان مراهقا. بعد سنوات كثيرة من الاختباء، يقوم بإضافة فيلم الى قائمة أفلامه شديدة التنوع، التي فتحت عوالم جديدة لسينما هوليوود، وحقق أعلى الايرادات، ما لم يحققه غيره على مدار 48 عاماً، ينتبه على أن قائمته ينقصها فيلم سيرته الذاتية، ويقوم بصناعته ببراعة، على كل جانب وجزء في الفيلم، فهو فيلم لجميع محبي السينما، عن المخرج الشغوف بالسينما من طفولته، الفتى الذي اعتاد التسلل لمواقع التصوير بمدينة يونيفرسال السينمائية  في هوليوود، وله حادثة مع هيتشكوك عندما تسلل لتصوير أحد أفلامه وضبطه مساعد هيتشكوك وطردوه من الموقع.

سبيلبرغ الذي عمل بشركة يونيفرسال وهو في سن العشرين، وأثبت نفسه مبكرًا للجميع، بعدما حاول أن يُقدم نفسه لاستوديوهات الإنتاج في لوس أنجلوس، يخبره المنتج الكبير أن الكل يصنع أفلاماً في كاليفورنيا، لماذا تريد أن تصبح مخرجاً؟. يقول عن هذا الفيلم هو أصعب ما أخرجه، واختيار الممثل الذي سيقوم بدوره كان أصعب اختيار، الأمر هنا يتعلق بالذكريات والعاطفة، يقول: تجربة شاقة للغاية، لأنني كنت أحاول بطريقة شبه تجريبية إعادة خلق ذكريات ضخمة، ليس فقط في حياتي ولكن في حياة شقيقاتي الثلاث، وأمي وأبي اللذان لم يعاودا معنا، وبدأت المسؤولية عن ذلك تتراكم".

بينما كان يتابع العالم عدد المصابين والقتلى بسبب كورونا، كان يفكر سبيلبرغ عما سيعني هذا للبشرية، والى أي مدى سيأخذنا هذا الوباء، وأن هذا هو أفضل وقت لقصته المحملة بالشغف والعائلة والذكريات، وظل طوال تلك الفترة على تواصل مع  توني كوشنر، شريكه المتكرر في كتابة الأفلام، على زووم لكتابة الفيلم. ويقول: قضيت الكثير من الوقت في محاولة لمعرفة متى يمكنني سرد تلك القصة واكتشفت ذلك عندما بلغت 74 عامًا تقريبًا. قلت، "من الأفضل أن تفعل ذلك الآن".

فيلم من أجل السينما، والهوس بها، يكشف الكثير عن سبيلبرج، يستعيد طفولته وصباه، أكثر خصوصية وعاطفة مما أدخله في أفلامه السابقة من سيرته وحياته، وطيفها الواضح في بعض الأفلام، مثل تأثره بقصص والده في الحرب العالمية الثانية في "إنقاذ الجندي رايان"، وتأثره بطلاق والديه في "إي.تي"، لكنه هنا يبوح بشكل أكبر، وأقرب، للأسرة والمدن والذكريات، كأنه جلسة متأخرة وحميمية مع النفس، جلسة ممتعة أنتجت جمالاً  لساعتين ونصف. من أجمل مشاهد الفيلم، كان لديفيد لينش، في شخصية المخرج جون فورد، في مشهد قصير يعطي درساً في السينما والفن، ويعطي لنهاية الفيلم الأمل المتجدد بداخل سبيلبرغ. 

يبدأ الفيلم أفضل بداية، كما يجب له أن يبدأ، الذهاب الى السينما، اصطحب ميتزي وبيرت ابنهما سامي البالغ من العمر ثماني سنوات إلى أول تجربة سينمائية له بعنوان "العرض الأكبر على الأرض". ينتهي بحادث قطار مذهل. يصبح سامي مهووسًا بالمشهد، ويقوم بمحاولة لإعادة إنشاء المشهد، وتصويره في المنزل. سامي معجزة، وربما عبقري. يمكن معرفة ذلك من خلال مشاهدة فيلم الصبي الأول، والذي يستخدم زوايا ديناميكية متعددة لالتقاط الحادث.

لكن هذا ليس مجرد فيلم عن شخص جيد بالفعل في شيء ما ويتحسن فيه. يتعلق الأمر بصعوبة الزواج، والأبوة والأمومة، وأن تكون طفلًا في عائلة يهودية في الولايات المتحدة، ففي الفيلم يبين سبيلبرج تفشي معاداة السامية، من خلال تجربتته كطالب تعرض للاضطهاد والتنمر، ويستمر في انتصاره للسامية كما في الأفلام السابقة.

 هذا فيلم، والأفلام لا يمكن أن تشمل كلَّ شيء. يتجنب سبيلبرغ وكوشنر الخطأ الأساسي الذي يعيق الكثير من السير الذاتية، وهو محاولة حشر كل لحظة في الفيلم. أعادوا صياغة حياة المخرج، ليس بالكامل، كعمل خيالي. رغم ما قاله كوشنر عن مميزات الفيلم: لا يوجد سياق تاريخي كبير لأحداث الفيلم، ولكنه فيلم صريح جدًا، عار جدًا".  يتيح لهم ذلك في الوقت نفسه إبطال أي فكرة كان يمكن للمشاهدين التفكير فيها على أي حال مثل: ما مقدار ما حدث بالفعل؟، ويتيح لهم التركيز على بعض اللحظات، وربط كل شيء بالأسئلة المتداخلة التي يمكن لأي مشاهد أن يفكر فيها، مثل: كيف تحدد السعادة؟ وهل من الممكن تحقيقها دون إيذاء أي شخص آخر؟