{الخيّام}.. غروبُ نصف قرنٍ من الأحلام

ثقافة 2023/01/30
...

علي حمود الحسن
ذاوية ومنهكة.. تنازع من أجل البقاء، وتشبه كهفا مظلما- بعيدا عن ترف كهف افلاطون الشهير- هذا بالضبط حال سينما الخيّام، أيقونة سينمات بغداد، وإحدى علامات بهجتها، دار العرض التي امتلكها يومذاك رجل الاعمال الأرمني إسكندر اصطيفان، كانت تصنف، كأفضل سينمات الشرق الأوسط، بصالتها التي تتسع لـ 1500مقعد متحرك بغطاء جوخ أحمر، وجدرانها المزدانة بلوحات فسفورية مستوحاة من رباعيات الشاعر والعارف عمر الخيّام، بينما انتشرت على سقفها اضاءة على شكل نجوم، تتوهج بنعومة عند الاظلام، واستوردت أجهزتها وتقنياتها من مناشئ معتبرة، وبلغت تكلفتها (300) ألف دينار عراقي، وهو مبلغ كبير بحسابات تلك الأيام.

افتتحت " الخيّام" بفيلم "هيلين بطلة طروادة" من تمثيل جاك سيرانس ورزانا بوديستا في أيار 1956، واستقطبت جمهورا أغلبه واعٍ مثقف، ووضعت ادارتها: معايير لاستيراد أفلامها، أهمها أن تكون مناسبة للذوق والتقاليد العراقية، وناطقة بالإنكليزية أو تدبلج بها، لتلائم أذواق الجمهور، وكانت حصة الأفلام العربية والعراقية أقل بكثير من نظيرتها الأجنبية، ولعل الحدث الأبرز فيها حضور الزعيم عبد الكريم قاسم عرض فيلم " ام الهند" 1959 برفقة حارس واحد، اذ أصرَّ على دفع تذكرة السينما، وجلس بين الناس. 

 على الرغم من قصر مسافة الشارع الذي يربط بين "جادتي" الرشيد والجمهورية، إلا أنه تحول بعد افتتاح السينما الى ملاذ لمسرات العراقيين وتسوقهم من ماركات متاجره الراقية والأنيقة، ومطاعمه الصغيرة  والشهيرة، بدءاً بأبي سمير- ما زال موجوداً الى اليوم - ومرورا ببائع اللحوم الباردة "مخ ولسان"، بطعمها المتبل الذي لا يضاهى، وانتهاءً بالمقاهي الصيفية المكتظة دوما، أنا شخصيا كنت مدمناً على الجلوس في مقهى "أبو جاسم" وكرع قنينة "البيبسي "، او "المشن"، وهو طقس مشاهدتنا لفيلم " جاسوسي"، او "كابوي"، وللسهارى والنواسيين محطتان، هما: "رومانس" والركن الهادي، بينما يتربع فندق "الخيّام" الأنيق الذي كانت عفيفة اسكندر إحدى نزيلاته (وهو ملك لزوجها اسكندر اصطيفان) فوق السينما.  

 ومن الأحداث البارزة في تاريخ سينما الخيَام البهيج، هي اختيار شركة "اليوم "، التي يرأسها المخرج الرائد قاسم حول، لعرض باكورة أفلامها "الحارس" (1967)، الذي نجح نجاحاً كبيراً، اذ سبقته دعاية منظمة من خلال الصحف البغدادية، فحضره جمهور غفير بضمنهم رئيس الوزراء يومئذ طاهر يحيى، وعبد الرحمن عارف و"حرمه" وغيرهم، وكانت السينما "مقبطة"، وقد سمع الجمهور حوارا يبحث فيه الرسام عن الحرامي، وهو يصرخ: "وينه.. وينه " فأشار الجمهور بصخب الى طاهر يحيى، الجالس في إحدى مقصورات الطابق الثاني، وكان يومها يُلقب بابي "فرهود"، ومع ذلك أكمل الرجل الفيلم، بل إنه أسهم في تمديد عرضه لأسبوعين، بعد امتناع إدارة السينما من تمديده، وأمر بالتحقيق معهم، وبحسب السيناريست والكاتب القدير حامد المالكي: فإن "أصحاب الخيّام تعاقدوا مع الفنان الكبير جواد سليم ليزيّن جدران السينما، لكنهم ازاحوه لصالح فنان إيطالي مغمور، ولو أكمل جواد الرسوم، لأصبحت السينما، بل حتى عمارتها لا تقدر بثمن".