تجربة الحُب الافتراضي في «سأدلُّ العصافير عليك»

ثقافة 2023/01/31
...

 ريسان الخزعلي


( 1 )

«سأدل العصافير عليك – قصائد حُب»، كتاب القاص صلاح زنكَنه يكشف عن تجربة جديدة في علاقات الحُب، ألا وهي تجربة (الحُب الافتراضي) الذي يحصل عن بُعد ومن خلال الشاشة الزرقاء «الفيس بوك».

إنَّ تفاعل القاص مع هذه التجربة شعريّاً لا سرديّاً، يُحيلنا إلى أن الشعر يكمن في ذات الأديب ومن خارج الجنس الإبداعي الذي يوصف به. من هنا يكون الشعر هو الأكثر استجابة في الكشف عن حسيّة تجارب الحُب ووقعها الروحي. فهل كانت القصائد قصصاً ظلّت الطريق إلى الشعر؟ أم أنها قصص بثياب الشعر؟ إنّ الإجابة الممكنة تُشير إلى شعريّة القص، وصلاح زنكَنه يكتب الشعر أيضاً بشكل قصيدة النثر، وبذلك يصح التجنيس لهذا الكتاب بأن القاص فيه شاعر، والشاعر فيه قاص، ومثل هذه الثنائية هي النمط الألصق بالتوصيف. 


( 2 )

صلاح زنكَنه، يُشهر حبّه من دون تردد من ذكْر اسم الحبيبه أو المعشوقة (سماح) ويتعدى الأمر هذا إلى تثبيت صورتها على الغلاف، وبذلك يكون الأجرأ في عصر الاستعارة والتلميح، وهنا يُذكّرنا بالشعراء العرب الأقدمين الذين كانوا لا يترددون من ذكْر أسماء حبيباتهم أو معشوقاتهم. إذن، هو كاشف للتجربة بشغف حسيٍّ عارٍ وعلى مرأى من زوجاته الثلاث! وهذا الكشف لا يتوافر عليه إلّا مَن يملك يقينية الحُب الذي يتجدد والجرأة في المكاشفة الوجدانية. إنّه يتجاور مع الشاعر حسين مردان في

(قصائد عارية). 

وقد يكون التخطّي ممكنا بدلالة الفصل الثالث من الكتاب الذي  حمل عنواناً فاضحاً (إيروتيك)، وكذلك الفصل الثاني الذي جاء بعنوان كاشف (سماحيّات – إلى سماح خالد البارودي)..، أما الفصل الأول فقد كان بعنوان (سفر العاشق) معلناً فيه: «هذا الولد قلبه أخضر/ يهيم بكِ عشقا/ ويتبختر/ هذا الولد يتصابى بحبّك/ ويكتب غزلاً/ ويسهر/ هذا الولد المولع بكِ/ يحتسي خمراً/ ويُدخّن جمراً ولا يكبر».

 في هذا الأنموذج وغيره الكثير من القصائد النثريّة، هنالك مَيلٌ للتقفية والروي مما لا تتوافر عليه قصيدة النثر بشكل عام، وبذلك يتحقق نوع من الإيقاع، يجعل القصائد بتماسٍ أو مراودةٍ مع قصيدة الشعر الحر، ويحصل أحياناً أن يتحقق الوزن الشعري في بعض الشطرات حتى وإن لم يكن قصدياً كما هو واضح في الأنموذج السابق الذي يمكن تحسس تفاعيلَ بحورٍ عدّة فيه.


( 3 )

وفي الملمح الفني الآخر، كان الوضوح سمة القصائد، إذ إن تجربة الحُب لا تحتمل غير هذا الوضوح، كما أنَّ البساطة التعبيريَّة، وهي بساطة معنى ودلالة لا بساطة تسطيح، تجعل الشعر يمضي إلى غاياته التوصيليَّة وبما يعكس حرارة التجربة ومديات الصدق والتفاعل مع هذه التجربة، التجربة التي لا تلفحها الرومانسيّة، حتى كأنَّ هذا الحُب (الافتراضي) حُب اقتراب ووصول إلى المستقر البيتي، وللمُخيّلة هنا نشاط غريزي يفوق التخاطر عن بُعد.

إنَّ بناء معظم القصائد يقوم على السرديّة، حتى كأنّ الشعر في هيكل السرد، والسرد في هيكل الشعر، وبذلك تواشج التجنيس: الشعر بثياب السرد، والسرد بثياب

الشعر:

 «قصدتُ العرّافات والعرّافين

قصدتُ السحرة والمنجمين/ قصدتُ قرّاء الكف وقارئات الفنجان والأئمة والصحابة والأولياء الصالحين/ عسى أن يدلّوني عليكِ/ كلهم خذلوني وعدّوني مجنوناً/ ولا حرج على المجانين».

ورغم سيادة السرد، إلّا أن الشعري يكمن في المعنى، والشعر معنى في واحد من وجوهه: «كحمامةٍ مهاجرةٍ حطّت على قلبي بعد طواف طويل، وراحت تشدو بالهديل»..، هكذا يشعّ الكم الشعر تناوباً مع السرد.


( 4 )

سأدلُّ العصافير عليكِ، تصريحات حُبٍّ بصوتٍ عالٍ، لا تخشى الخدَش الاجتماعي، لأنَّ «الحُبَّ هو أن نبتلّ بزخات المطر في عِزّ

الصيف».