سناء قولي تُحاكي عوالم الطفولة

ثقافة 2023/02/05
...

 علي العقباني


منذ أن كانت طفلة صغيرة استهواها الفن والرسم على وجه الخصوص، وهذه الهواية رافقتها طيلة مراحل حياتها ودراستها التي لم تكن كلية الفنون الجميلة مكانها، بل اختارت كلية العلوم في جامعة "دمشق"، وتخرجت منها عام 1978، ومارست الرسم هواية وشغفاً صقلتها بالتمرين والدراسة الخاصة، موقف أهلها من الفن شجعها منذ البدايات على الرسم وساعدها على أن تعبر عن نفسها رسما وتزييناً، وتميّزت خلال مراحل دراستها بالرسومات التي كانت تنال رضا الأهل والأصدقاء والمدرسين، وخلال المناسبات والأعياد كانت تصنع بطاقات المعايدة بنفسها وتخط كلمات المعايدة بنفسها وترسلها إلى صديقاتها ومدرسيها، لقد مارست الرسم كفنٍّ ممتع وجميل مكّنها من رؤية الواقع والتعامل معه وإبراز الجمال في كل شيء تراه أو ترسمه.

سناء قولي فنانة الطفولة وطفلة الفن التي لا تكبر، كبر حلمها ونما مع الأيام وسقته بالإصرار والعزيمة والحب وشغف البدايات واعتماده هواية الحياة التي تحب حتى أصبح حياتها ومبتغاها وهاجسها وهمها ومجالها الحيوي الذي تعيش فيه وتبدع، وعن موهبتها وخياراتها وصقلها بالدراسة والعمل والمثابرة والحب تقول قولي إنَّ "الموهبة والممارسة الطويلة هما الأساس في تميز وإبداع الفنان، لكن صقلها بالدراسة واجب، فهي تعلم الفنان كيفية استخدام أدواته بطريقة مبتكرة، فضلاً عن أن بعض أعمالي في الرسم كانت لكتاباتي الشعريّة التي بدأت بها في الثمانينات من القرن الماضي، لكنني لست شاعرة محترفة".

أصيب قولي في بداية حياتها بشلل الأطفال، الأمر الذي جعلها مقعدة، فالجأت إلى الفن للتعبير عن نفسها، كتابة ورسماً، وفي سنوات الحرب المريرة في سورية فقدت كل ما تملك من بيت وممتلكات، الأمر الذي جعلها تحترف فن رسم قصص الأطفال من خلال الأنترنت لتعيل نفسها، ويكون لها دخل مالي يعينها على الحياة، وبوقت قصير لمع اسمها كرسّامة قصص أطفال بأسلوب خاص، وأصبحت دور نشر الأطفال تستعين بها في مجلاتها أو في كتبها الخاصة بالأطفال، "الفن يتحول إلى إبداع في الظروف الصعبة، الفن بوجه عام هو سلاحنا لمواجهة الصعاب" كما تشير "قولي" مختصرة حالتها ووضعها، وتمكنت الفنانة عبر مسيرة طويلة من العمل والكفاح أن تواجه الصعوبات الكبيرة التي مرت عليها، لتخطّ طريقها في عالم الفن، محاولة تجسيد رؤيتها للفن والحياة عبر خطوطها الملوّنة بكل تلك البساطة والعفوية والاتقان والتميّز منتجة لوحات فنية جميلة تحمل قيماً ومعاني في الحياة والجمال تقترب فيها من عالم الطفولة، "اخترت الرسم للأطفال لصدق مشاعرهم وبراءتهم وإقبالهم على الحياة"، تضيف "قولي" وتعبر عن نفسها.

هذا الخيار بالرسم للأطفال تقول عنه "قولي": "اخترت الرسم للأطفال لصدق مشاعرهم وبراءتهم وإقبالهم على الحياة، وخصوصاً أن الأطفال هم الجيل الذي يبني الوطن"، فعملت من خلال رسوماتها وقصصها المصورة على توجيههم بطريقة صحيحة وتنمية حسهم وتذوقهم الفني منذ سنوات عمرهم الأولى للارتقاء بإحساسهم الفني الذي يسهم في رقي المجتمع بهدف اللحاق بركب الحضارة، وتعبر "قولي" عن تلك العلاقة المتشابكة بينها وبين عالم الطفولة وفنها: "تجربتي مع الأطفال امتداد لطفولتي، فحين أرسم للأطفال أستفيد من طريقة مخاطبتهم بلغتهم وأسلوبهم".

تشعر "قولي" من خلال عملها وتجربتها بأنّها مازلت طفلة تحب البساطة، وهذا الأمر انعكس بشكل جلي على لوحاتها، فمعظم رسوماتها تعتمد الخطوط البسيطة، كالأشكال الهندسية الأساسية والألوان المفرحة التي تجذب وتدخل السرور إلى قلوب الأطفال، من خلال إيجاد الموضوع المناسب لاهتمام الطفل في كل مرحلة من مراحل حياته، كالأسرة والمدرسة والأم والوطن، لذلك نلاحظ أن مضامين لوحات "قولي" بشكل عام  تتوزع بين حكايات الأطفال المشهورة التي تشكل الحيوانات وأنسنتها محوراً لها،  وبين القيم التربوية والسلوكية الضرورية لتنشئة الأطفال، وتستخدم "قولي" في لوحاتها عامة الألوان ذات الدرجات الفاتحة والزاهية التي تعطي إحساساً بالإشراق، كالأزرق والأخضر الذي يعطي احساساً بالاتساع والشعور بالخير والأمل، وكذلك الألوان الساخنة والدافئة كالأحمر، والبرتقالي، التي تعطي إحساساً بالنشاط والتفاؤل والفرح.

 لا تتوقف "قولي" عن الرسم والكتابة محاولة كسر إيقاع الحياة والعجز ومتعلقة بحلمها في الحياة والفن، فخلال السنوات الأخيرة أنجزت "قولي" رسم نحو 25 كتاباً للأطفال لدور نشر مختلفة في البلدان العربية، ووزارة الثقافة السوريّة وبعض الكتاب، وآخرها قيد الطباعة للشاعر "محمد منذر زريق"، فضلا عن رسوماتها في مجلات عديدة للطفل في "سورية"، كـ "أسامة"، و"الطليعي"، و"النيلوفر"، و"شامة"، و"المهندس الرقمي الصغير"، وفي مجلات عربية منها "العربي الصغير"، ومجلة "أحمد"، و"توتة"، و"مهدي" في "لبنان"، فضلاً عن عملها في تصميم الإعلانات، وأغلفة الكتب، وبطاقات الأعياد بطريقة الكولاج، كما أن الفنانة "قولي" لديها الكثير من اللوحات في المناهج التعليميّة وكتب ومجلات الأطفال، ويبدو في لوحاتها بروز تقنية الكولاج من خلال مزجها  الخط واللون والتجربة الشخصية لتحقق الفنانة فرادة وأسلوباً ميّزاها في مجال الرسم للأطفال وأبعدها عن تقليد الفنانين الروّاد. وشاركت "قولي" كذلك في الكثير من المعارض الرسمية والجماعية لنقابة الفنون الجميلة، وفي معارض سنوية للجمعية السورية لذوي الإعاقة، إذ تشعر بالحب والمسؤولية اتجاههم ـ وحصلت على الجائزة الأولى عام 1995، وشاركت في الأسواق الخيرية خاصة في أسرة "الإخاء السوري للمعاقين"، وبعض المعارض الفرديّة للأطفال. بقي أن نذكر أنّ الفنانة سناء قولي من مواليد دمشق 1954 حاصلة على إجازة جامعية في كلية العلوم من جامعة دمشق درست الفن دراسة خاصة وهي عضو باتحاد الفنانين 

التشكيليين.