وسام زكو: حقائق الرسم وأصول الرمز

ثقافة 2023/02/06
...

 خضير الزيدي


في الرسم المعاصر هناك أكثر من حقائق تخص الرمز التاريخي والأسطوري والديني، وأهم ما يشير إليه ذلك الرمز أنه يحتمل أكثر من قراءة ووجهة نظر تخص مراحل من تاريخ الإنسان، لكن المهم بأن قدرة الرمز والاشارات التي يتبناها.

إنها قائمة ليومنا هذا حتى لو مرت قرون وستكون بوصلة اتجاهه مشيرة لكل حدث ملتهب، ولن تفقد حلقات الاتجاه التي تبتغيه أو تجاري ثباته، ولهذا لا غرابة أن نجد الفنانين منذ ستينيات القرن الماضي حتى يومنا هذا، وهم ينشئون داخل منظومة أعمالهم البصرية أكثر من رمز ودلالة وإشارات، وهذه الممارسة لن تكون بعيدة عن أي توجه أو مشروع شخصي أو فكري، والغاية منها هو تغيير وجهات النظر أو الانتماء لخطاب معين. 

وسام زكو فنان عراقي مقيم في أميركا عمل منذ نهايات الثمانينات على أن يشرك متلقي أعماله برموز تاريخية ودينية الغرض منها (جمالي وفكري) وأسس في أكثر من معرض، سواء في الرسم أو النحت على ابراز ما يشبه الصليب ويبعث فيه محركات وحمولات دلالية لغرض التأكيد على أن رمز الصليب لم تنشئه التوجهات الدينية والموروثات العقائدية، إنما هو شكل قائم منذ تاريخ الإنسان وهذا ما كشفته الحفريات القديمة وخاصة أساطير الشرق الادنى، ولكن قيمة تلك الأعمال (الصلبان) برزت باغواءات شكلية خارج نظامها العقائدي في قضية الرمز، وهو تصور عمل عليه وسام زكو ليعطي انفتاحاً وارتباطاً بمعالجات خارج السياق الديني مما جعل فنه ذات نزعة شكلية. 

نعم لها مرجعيات لكنها اتخذت معياراً جمالياً عبر تعاملها المرن من خلال التنويعات الأسلوبية والتعبير عن محاولة طرح رسومات ومنحوتات يغلب عليها التوازن في الشكل والمحتوى. 

بمعنى أنها تخضع لمعيار من التخيل والادراك والمرجعية التي تخص فهم (الصليب)، وهذا يجعل قابلية تلك الرسومات متفردة ضمن منطق الازاحة أولاً، والتعامل مع اللعبة البصرية، ثانياً طبعا مع الحفاظ على أصول وعقائد خطاب الفن ومغزى رسالته، وهو يحمل دلالة الصليب. 

ومع كل ذلك نتساءل: هل يتحقق شرط المهارة في رسومات تمتزج في محتواها البصري بين رمز ديني/ اسطوري/ تاريخي، وبين متخيل جمالي يتطابق مع ضرورة ووسيلة الرمز أو ينفرد بتناغم قائم بين الاثنين. 

في الحقيقة يعتمد كل ذلك على مهارة الفنان ودوافعه وانتمائه لجذره الموضوعي، وما يتوفر في ادراكه الفني من صدق الاندفاع نحو معالم تجديد خطاب فني يقدم للمتلقي شعوراً بأهمية ودلالة الرمز الديني واستثماره في اللوحة. 

وسام زكو يلخص ميزة فنه اعتماداً على أصل الفكرة وما تمثله الايقونة من تحول بصري وسيميائي، فهو لا يريد شرح قيمة الصليب أو معرفة مرجعيته إنما يجعل منه قاعدة يرتكز بها على فهم التاريخ وتشخيص المكان وجعله مثالاً منوعاً لغاية جمالية وبصرية.

وعلى هذا الأساس يتشكل كمفهوم معين لهيمنة مقدسة تحتمل أكثر من رواية، ولكن مبادئ عمله لا تقوم على المطابقة إنما على زعزعة اصل الرمز لتفرضه متخيلاً له انماط من التعبير والاستعارات، وفعل ذلك محصور في رشاقة الاشكال واضفاء طابع من السمات الشعورية نحو العمل 

الفني. 

وهذا التوازن الدقيق في الأصل نتاج النظر إلى العمل بروح المسؤولية وتوسيع مصادر البحث في الفن مع مخيلة نشطة تنحدر إلى كشف واستجلاء منابع أصل الجمال والتفرد فيه، سواء اتت بفرض عناصر بصرية أو برموز قائمة أو متخيلة. 

لنقل أنه يبدد كل الأشكال والخطوط وحتى التكوين ليعلي من قيمة المدلول، فالأمر في النهاية معالجة اخراج بصري من اجل مسك ثمن دلالة (الصليب).

هذا المبدع يتطلع إلى ايجاد نزعة روحية من نوع مختلف يبتكر لرسوماته طريقة ترتبط ببنائية معينة، لكنها مرنة في انتقالاتها الاسلوبية تمضي بالمتلقي إلى حدود واسعة وحرارة مشاعر، لكنها تستقر عند قضية تحتمل أكثر من قراءة، ولن تنحصر بين الديني والأسطوري، وهي ليست ثغرة لمن يعرف توجهات وسام زكو الروحية، لكنها سمة تدفع به نحو تنوع لافت وانهماك طويل من أجل فرصة الاستمتاع بقيمة الرمز ودلالاته وحتى معرفة شبكة علاقاته مع الاشارات والرموز الأخرى.. هذه اللوحات أعمال (فكر) جاءت ضمن مراتب الجمال الخالص.