كلهم يملكون شغاف القـلب

الرياضة 2023/03/06
...

علي رياح

قبل رحيله عام 2012 بعد معاناة طويلة مع الغرغرينا اقتطـُعتْ بسببها إحدى قدميه، كنت عند مدخل شقق الصالحية حيث يسكن، أسأل الفنان خزعل مهدي (مُكعب العبقرية) وهذا اللقب الذي كنا في الإذاعة والتلفزيون نطلقه عليه، فهو الكاتب والشاعر والملحن والمخرج والمونولوجست والممثل.. أسأله عن سر خلود أغنية (يا أبو رجل الذهب) فكان ردّه بالنص: في الأصل لا بدّ أن نتحدث عن الشاعر الرائع كريم العراقي وهو فضلاً عن براعته في نحت الجمل الشعرية وقوافيها كان لاعباً للكرة، وهو ابن بيئة تتنفس الكرة، أما سعدون فمُتيم بكرة القدم، كان لاعباً موهوباً في ملاعب الحرية قبل أن ينصرف إلى الغناء، كما أنه يحمل عشقاً جارفاً لفريق الزوراء، عشتُ معه ساعات ولادة الأغنية، وكان لديَّ اليقين بأنه يستحضر هذا العشق أثناء البروفات والتسجيل، ولو كان (العندليب) يعني لاعباً واحداً في روحيته وهو يؤدي الأغنية لقلت بلا تردد إنه النجم الفنان فلاح حسن.. كان هذا إحساسي!

يسلط فنان الراحل بهذه الإجابة ضوءاً على السؤال الذي يتردّد منذ عام 1979 حول الربط بين لاعب محدد وكلمات هذه الأغنية.. الرجل أجابني بلغة صريحة وهو يدرك أنه لم يتبق من العمر مثل الذي انقضى!

لكن الصديق الشاعر الكبير كريم العراقي الذي يحق له أن (يُـفتي) في هذه الجزئية وهو الذي أبدعَ كلمات الأغنية، يملك رداً آخر وفي منتهى الجدية.. قال لي ذات يوم وقد ارتسمت ملامح ابتسامة لطالما عهدناها على وجهه: يا أبا العلا (يناديني هكذا دوماً) هذا سؤال قديم عاد مجدداً، كنا أنا وسعدون نسمعه من كل من يلتقينا!! هل كتبت الأغنية عن فلاح حسن أم حسين سعيد؟ ولكن يا أخي علي الاثنان عملاقان.. هما وكل نجوم المنتخب يملكون شغاف القلب!

ويكمل العراقي متسائلاً: تخصيص لاعب واحد يثير دواخل اللاعبين وإلا ماذا نقول عن العملاق رعد حمودي وموقعه في الأغنية.. ليكن كل الفريق؛ فلاح وحسين وأحمد راضي والآخرون كلهم.. استمع إلى أغنية نادي ليفربول.. لن تسير وحدك أبداً.. إنها تعني النادي بأكمله جيلاً بعد جيل..

وهنا يقطع شاعرنا الفذ بكلماته كل تأويل: أنا الذي كتبت النص، ولا بدّ أن أكتم انحيازي، لأن القضية قضية فريق ووطن وعلم!

كان الرقم (2) قاسماً مشتركاً للمناخ الذي تمّت فيه صياغة الأغنية.. فلقد استبقى المخرج الفنان جمال محمد معه الأغنية ملحنة ً في بيته مدة يومين، وتمّ التسجيل في استوديو اثنين، واستغرق ساعتين، لتظهر الأغنية مساء الخميس في برنامج (عدسة الفن) عشية افتتاح البطولة، ويتحوّل النص المرفوض ثلاث مرات إلى أيقونة فنية تاريخية ما زالت تحتفظ بكل عوامل الإبهار، وستحتفظ به لأجيال وأجيال حتى لو جرى الإيعاز إلى ملحنها خزعل مهدي كي يكتب أيضاً كلماتها من جديد لتـُـنتزع من موضعها الكروي الأصيل إلى واجهة السياسة.. ولكن الأصل يبقى ويخلد لأنه أحلى مذاقاً وأكثر صدقاً!