خلاف «إبادة الأرمن» ينشب في «برلمان الناتو»

قضايا عربية ودولية 2019/04/13
...

اسطنبول / فراس سعدون
 
ردت أنقرة بحدة، وبلسان أكثر من مسؤول كبير، على قرار الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في مرسوم جمهوري، تسمية الرابع والعشرين من كل نيسان يوما لذكرى «إبادة الأرمن» على أيدي العثمانيين، إبان أحداث الحرب العالمية الأولى، كما هاجم المسؤولون الأتراك البرلمان الإيطالي لإقراره مقترحا يدعو للاعتراف بالإبادة الجماعية التي تنكر تركيا وقوعها.

مشادات كلامية
ووقعت مشادة كلامية بين مولود جاووش أوغلو، وزير الخارجية التركي وسونيا كريمي، البرلمانية الفرنسية من أصل تونسي عن حزب الجمهورية إلى الأمام بزعامة ماكرون، عقب احتجاج كريمي على كلمة لمصطفى شنتوب، رئيس البرلمان التركي، في أثناء ندوة للجمعية البرلمانية لحلف شمال الأطلسي (ناتو) في ولاية أنطاليا نهار الجمعة، قال فيها إن «إعلان ماكرون 24 نيسان يوما لإحياء ذكرى إبادة الأرمن المزعومة محاولة لتسييس التاريخ عبر مزاعم لا أصل ولا أساس قانونيا لها».
وأضاف شنتوب «لدي بعض النصائح لأصدقائنا الفرنسيين. اتخذوا مبادرة لإصدار بيان مقنع للرأي العام بفرنسا، حول الاستعمار والأحداث في الجزائر، والإبادة الجماعية في رواندا التي قتل فيها 800 ألف شخص خلال 100 يوم، وبدون القيام بذلك، لا تتلاعبوا بتاريخ البلدان الأخرى لأسباب سياسية».
وانتقد رئيس البرلمان التركي، في الوقت نفسه، البرلمان الإيطالي لإقراره مقترحا يدعو الحكومة للاعتراف بإبادة الأرمن، واصفا الإقرار بأنه مثال جديد لتوظيف مزاعم بعض الأرمن في السياسة الداخلية لإيطاليا.
وعبّرت كريمي عن صدمتها إزاء انتقادات شنتوب قائلة إن التاريخ يكتبه المنتصرون، وإن على تركيا أن تأخذ بالحسبان أن حزب العمال الكردستاني (PKK) الذي تصنفه إرهابيا ليس كذلك بالنسبة لدول أخرى.
ودفع هذا الموقف وزير الخارجية التركي إلى الرد بقسوة.
وقال جاووش أوغلو «أستطيع أن أفهم أن السيدة سونيا مصدومة. دولة السيدة سونيا والدول مثل فرنسا معتادة على شيء واحد هو تنصيب نفسها زعيمة، وتصغير وإذلال الدول الأخرى، وعلى هذا فإذا جاء أي انتقاد من تركيا ستُصدم».
وأضاف «في موضوع القوانين بين الدول تحاولون إعطاء درس لتركيا، وأنتم هنا حتى لا تستمعون لما أقوله، تتحدثون عن القوانين والحقوق، ولكن هل القرار الذي اتخذته فرنسا، أي ماكرون، يتناسب مع محكمة حقوق الإنسان الأوروبية؟ كلا لا يتناسب».
وتساءل الوزير «هل تحليل أو فهم موضوع تاريخي قديم هو من عمل السياسيين؟ هل قرأتم قرار الأمم المتحدة؟ لكي نفتح موضوعا تاريخيا لابد من وجود محكمة معنية تصدر قرارا، وفي عدم وجود هذه المحكمة لا يوجد دافع لفتح هذا الموضوع بين السياسيين». 
وواصل «أنتم أيها السياسيون ترون أن النظر في الموضوع وإعطاء القرارات نفس الشيء. طيب بواسطة أي معلومة بإمكانكم أن تتخذوا قرارا كهذا. المعنى الوحيد لإعطاء القرار هنا هو الشعبوية. وللأسف رئيسكم شعبوي وخاسر».
واحتد جاووش أوغلو، في الندوة، وهو يقول إن «آخر دولة بإمكانها إعطاء درس لتركيا هي فرنسا، لأننا لم ننس ما حدث في رواندا والجزائر». وتابع «في البداية لتنظر فرنسا إلى تاريخها المظلم. إياها أن تعطي درسا لتركيا»، مستطردا «استمروا هكذا في النظر من الأعلى، وسنعمل على إيقافكم عند حدكم. بعد الآن لا يوجد شيء اسمه تركيا القديمة».
وحمل هذا الهجوم البرلمانية الفرنسية إلى مغادرة الندوة.
وكتبت البرلمانية تغريدة في تويتر وصفت فيها جاووش أوغلو، بعد أن أشارت لحسابه، بأنه متغطرس «يعطي دروسا عن الغطرسة والأدب، بغطرسة وبدون أي احترام».
وذكرت في تغريدة لاحقة أن الوزير التركي حظر حسابها، معلقة على الحظر بأنه «درس لطيف في الديموقراطية والديبلوماسية!».
وتقول أرمينيا إن العثمانيين قتلوا 1.5 مليون أرمني في «إبادة جماعية» عام 1915، وتدعو تركيا للاعتراف بالإبادة وتطالبها بتعويضات عنها، إلا أن تركيا ترفض تسمية ما حدث للأرمن بأنه «إبادة جماعية»، وتعتمد تسمية ما حدث بأنه «مأساة» طالت الأرمن لقتالهم مع الروس ضد العثمانيين، وتعرضهم لأوضاع مميتة في أثناء تهجيرهم من شرق الأناضول.
ورفض كمال كلجدار أوغلو، زعيم المعارضة التركية، بشدة، الإعلان الفرنسي عن ذكرى «إبادة الأرمن» والعمل على إدراجها في التقويم السنوي للدولة.
وغرّد كلجدار أوغلو، في تويتر، بأن «المشاكل بين تركيا وأرمينيا لا تحل بتدخل دولة ثالثة. إن الحوار ممكن بينهما».
 
انتقادات لاذعة
ووجهت شخصيات مختلفة سياسية وأكاديمية في تركيا انتقادات لاذعة للقرارين الفرنسي والإيطالي بشأن «إبادة الأرمن»، في ظل ما رأته تلك الشخصيات تلافيا أو تجاهلا لما ارتكبه الفرنسيون والإيطاليون من مذابح ومآسٍ في دول إفريقيا ومنها دول عربية.  
وقال البروفسور الليبي محمود الديك، المتخصص في الشؤون التركية، لـ»الصباح»، على هامش محاضرة له عن الديبلوماسية الليبية في العهد العثماني، نظمها اتحاد الكتاب الأتراك، واتحاد الجاليات العربية في اسطنبول، إن «السياسة الغربية سياسة معادية لتركيا في المنطقة، وإن القرار الإيطالي، وحتى الفرنسي، للاعتراف بمذبحة الأرمن محزن للغاية».
وخصّ الديك القرار الإيطالي بوصف «الفضيحة»، مستنكرا «كيف لإيطاليا التي قتلت الآلاف من الليبيين (سنوات الاحتلال في القرن الماضي) واعتقلت مئات الآلاف اعتقالا، ولم تعترف حتى هذا اليوم؛ أن تتجنى».
ودعا الأكاديمي الليبي إلى «دراسة ظاهرة نظر الغرب بعين واحدة هي عين مصالحه، وإلى استفاقة العرب والمسلمين أمام الهجمات الغربية الثقافية والحضارية، وعمليات غسل الأذهان والأدمغة».
وأكد الباحث في جامعة طرابلس «الحاجة لتنقية الأجواء لمعرفة حقائق الوقائع والحقوق، لتشكيل رؤية ووضع استراتيجية تمكن من تجاوز مثل هكذا هجمات».