هل تنجح البصرة في إقامة إقليمها ؟

الثانية والثالثة 2019/04/14
...

ابراهيم العبادي 
 

صار متعينا على حكومة السيد عادل عبد المهدي ان تواجه اولى مشكلاتها السياسية الكبيرة  عندما تتعامل مع طلب مجلس محافظة البصرة بتحويل المحافظة الى اقليم، مقدمو الطلب ينتظرون من مجلس الوزراء ان ينظر بهذا الطلب الدستوري ليتم الشروع بالاجراءات القانونية والدستورية، فيما يبدو ان المجلس غير مستعد لمواجهة هذه المشكلة التي تثير مخاوف كبيرة لدى النخبة السياسية والحزبية  وينقسم بشأنها الرأي العام وتتصارع عليها تيارات سياسية وايديولوجية .
من المبكر الحديث عن مآلات المواقف السياسية للاحزاب والرموز والكتل من مشروع تحويل البصرة الى اقليم، فردود الافعال التي صدرت لحد الان لا تعدو ان تكون ردود افعال سريعة وأولية لا تعكس دراسة معمقة ولا تمتلك رؤية متكاملة عن اتجاهات الرأي المحلي في البصرة ذات الخمسة ملايين نسمة كما تشير التخمينات الاخيرة،  ويوم تستشعر القوى السياسية في بغداد ان البصريين ماضون هذه المرة في مشروع الاقليم  وقادرون على ممارسة ضغوط جدية ومؤثرة سيتحول الموقف تبعا لبراغماتية هذا الحزب او ذاك، وتبعا لطموحات هذا الزعيم او ذاك الفصيل، المهم ان القلق من الاقليم المقترح سيأخذ بلباب السياسيين من الان فصاعدا،  طالما ان جمهور البصرة قد استبد به اليأس من تحسن اوضاعه الخدمية والاقتصادية، رغم وعود الحكومات وحسن نية بعض الساسة ،  وحرص قسم من الوزراء .
بحسابات بسيطة سينقسم الرأي العام العراقي بين اتجاهين، كلاهما له مبرراته في اتخاذ موقف الرفض او التأييد لاقليم البصرة، لكن ايا من الاتجاهين لن يكون مصيبا في موقفه اذا تأسس هذا الموقف على حسابات سياسية واقتصادية بحتة بعيدا عما يعانيه ويشعر به اهل البصرة انفسهم،  وهم يكابدون وجع تخلف مدينتهم،  وتراجع مستوى الحياة فيها واستشراء شعور الغبن والمرارة والحرمان النسبي،  وهم يستحضرون كل يوم مثال العيس التي تحمل الماء وهي تعاني ضمأ قاتلا، الخائفون من الاقلمة فزعون من فكرة التقسيم ومن تدخلات الجيران ومن استحضار تجربة اقليم كردستان ومن الصراع بين الاقليم والمركز ووجود دولة داخل الدولة بكل ما يعني ذلك من مخاطر سياسية وامنية واقتصادية، سيصاب الكثيرون بالرعب من تخيل تحول البصرة الى اقليم لتبدأ في مناكفة بغداد وبيدها ثمانون بالمائة من ايرادات العراق المالية وموانئه واطلالته البحرية، حتما سيكون الامر مخيفا للغاية في هذا الحال وهذا الشعور يستبطن الاقرار بان المركز ينبغي ان يكون هو صاحب الكلمة الاولى والاخيرة في المال والادارة والامن والتجارة وكل شيء دون النظر بالسبب الذي يدعو البصريين الى تبني خيار الاقليم، المؤيدون الذين طالما تحركوا باتجاه تحقيق حلم اللامركزية الادارية وتوسيع سلطات المحافظات وبالذات البصرة،  سيكون دافعهم الخروج من دائرة الفشل والفساد والبيروقراطية التي جعلت البصرة مدينة بلا حاضر مشرف ولا غد يرتجى،  بسبب سوء الادارة والتخطيط والفساد وهيمنة احزاب وفصائل مسلحة وعشائر نافذة ومافيات التجارة والتهريب  بما اسس لعلاقات زبائنية معقدة بين مجتمع السياسيين وزعماء بعض  العشائر والقوى المتنفذة والادارات العامة التي صارت تنتزع وتوزع حصصا على القوى صاحبة الصوت الاعلى والاكثر قدرة على اشهار السلاح والوصول الى وسائل الاعلام بخطاب ملتو ظاهره الحرص على البصرة وخدمة اهلها وباطنه الهيمنة على المال والثروات وتحقيق المصالح الحزبية والفصائلية، لكن من بين هولاء المؤيدين لفكرة الاقليم من يتاجر بالقضية لمصالح سياسية واقتصادية ويسعى الى الهيمنة بل ويخطط للاستحواذ على القرار البصري لدواع انتهازية واضحة، البصرة وتبعا لها العراق على مفترق طرق وامامها صيف ساخن، فلا احد يملك توصيفا دقيقا لما يجري داخل البصرة،  ومن مع الاقليم ومن هم ضده، وليس هناك من دراسات معمقة لاتجاهات الرأي المحلي في البصرة للانحياز فعليا لرغبة اكثرية اهل المحافظة، لكن المؤكد  ان قضية الاقليم لن تكون هذه المرة قضية عابرة يسهل تجاوزها، فهناك محركات ودوافع عديدة وسيكون التنافس على اشده مع مزايدات  كثيرة تحتاج الى تعقل ودراية وحكمة في التعامل معها، فهناك نذر عنف ومشاعر غضب وعدم اصغاء وبطيء في الاستماع والاستجابة، وبموازاة ذلك ثمة اجيال شابة وحراكات تجذر نفسها في بيئة قلقة وتنظم خطاباتها من واقع الحرمان والتهميش والقناعة بان المركز لا يسمع الا اذا صار التهديد جديا !!!؟؟؟.