علاقة الثروة بالوعي الجمالي

منصة 2023/04/11
...

    كاظم لفتة جبر 


إن القيمة الجماليَّة هي المبدأ الذي يتأسس عليه عصرنا الحالي، فكل موضوع خارجي لا يلائم الذات الفرديَّة، إلا إذا وفر حاجاتنا الحياتيَّة.


 قديماً كان الإنسان يفضل التفاعل مع الجمال من خلال المنفعة التي يقدمها الموضوع الجمالي، سوى كان من خلال توفير حاجاته اليوميَّة، أو الروحيَّة من خلال الطقوس الدينيَّة، والحربيَّة، وأغراض الزراعة والإنتاج، الكثير من الفلاسفة أرادوا للجمال قيمة ثابتة تلائم جميع الأفراد، والمجتمعات بوضعهم معايير، ومبادئ تبين تلك القيم، والقيم هي (الخير، الحق، الجمال)، فالخير واحد وثابت عند الجميع، والحق والجمال كذلك، هذا ما عَملت عليه أغلب الفلسفات الميتافيزيقية بدءاً من اليونان مع سقراط وصولاً إلى العصور الحديثة.

إلا أن الألماني ماركس يقول: (إن الإنسان يؤكد ذاته بكل مشاعره في العالم المادي) هذه العبارة قَلبْت موازين المفهوم الجمالي كما هي فلسفته، فكل متبنى فكري وضعه الفلاسفة رفضُه ماركس، ليؤكد بأنَّه حان الوقت لتغيّر العالم وليس تفسيره.

إذ كانت المجتمعات تعتمد القيم بوصفها السنن الثابتة التي تُسيّر علاقاتها. 

أصبحت تلك المجتمعات مع ماركس هي التي تنتج القيم وفق مقاساتها، كما تحاول تلك الأنظمة تشكيل أفكار ذات بُعد واحد تمثل طبقة مجتمع ما ومبادئه، فالمجتمعات الحديثة لا تعتمد على الآلهة والدين والثقافة في أن تزودها بالقيم مثل المجتمعات القديمة، بل تعتمد المبادئ والقيم الصناعيَّة لبناء نظامها الفكري.

لذلك كانت القيم هي التي تتحكّم بالإنسان وتحديد مشاعره، أما حديثاً فالإنسان هو الذي ينتج القيم بحسب مقاساته وايديولوجيته الفكريَّة، وما يملك من ثروة ومنصب ورغبات، لذلك أكد ماركس أن الرؤية الجماليَّة تختلف بين طبقات المجتمع من حيث أن كل طبقة اجتماعية تحقق ذاتها من خلال الواقع المادي، بطريقتها الخاصة، وهذا يؤكد على علاقة الإنسان الجماليَّة بالواقع، لأنَّ كلَّ تغير يحدث بالبنية الفوقيَّة (الأفكار) مثل الدين والسياسية والجمال والفن، ينعكس بدوره على الاستجابات الحسيَّة للمجتمع مع الموضوعات الخارجيَّة ومنها نظرتنا الجماليَّة، فالرؤية الجماليَّة في المجتمع الرأسمالي تختلف عن الرؤية في المجتمع الاشتراكي، فالبرجوازية ترى الجمال في الأنانيَّة والملذات والشهوات والسيطرة والغنى، والبروليتارية (الطبقة العماليَّة) ترى الجمال في الثورة والتحرر والاحساس بالآخرين وملذاتهم، وكذلك ينطبق الأمر على مجتمعنا الحاضر فكل فئة، أو حزب يرى الجمال بطريقته الخاصة ومتبنياته وثروته الأيديولوجية.  فعلاقة الجمال كفكرة بالجميل كشيء محسوس مترابطة في المجتمع الطبقي الايديولوجي؛ لأن الخبرة الجمالية لدى الأفراد في هذه المجتمعات تكون نسبية، تبعا للمنفعة والغرض التي يقدمها ذلك الموضوع للفرد والمجتمع ككل.

والفن كذلك في تلك المجتمعات يكون ايديولوجيا وطبقياً، فالفنان يسعى لتأكيد ذاته من خلال مشاعره وشعاراته المتجسدة بالعمل الفني، وكذلك يكون العمل تلبية لرغبات وطموحات الفرد المتذوق في طبقته الاجتماعية، بالنتيجة الفنان وما يقدمه، هو تجسيد وتأكيد لمشاعر ووعي طبقته الاجتماعيَّة ماديَّاً.

فالرؤية الجمالية تكون متفاوتة، بحسب وعي الطبقة الاجتماعية لوجودها الاجتماعي.  

إلا أن هناك من يعارض من أن تبنى الرؤية الجمالية وفق ما يمتلك الإنسان من ثروة، بل تبنى على الوعي. 

إلا أن فلسفة ماركس ترى أن الوجود الاجتماعي هو الذي يحدد وعينا، من خلال تأثير الأسرة والبيئة، والمدرسة. 

فالمجتمع الفقير لا يستطيع أن يحصل على بيئة جمالية، لكون أن العالم الحديث والحاضر، أصبح يلبي متطلبات الجمال من خلال الموضوعات المادية، وهي تكون مكلفة على تلك الجماعات. 

بعكس الطبقة الثرية مادياً، تستطيع أن تملك تلك المتعة الجمالية من خلال دفع تكاليفها.

فالبيئة التي ينظر لها ماركس هي ليست تخص جغرافية معينة، أو شعب معين، بل تستهدف كل الجماعات العالميَّة، من خلال الفارق الطبقي، أي بين من يملكون وسائل الإنتاج، والطبقة العاملة، أو بين التاجر والفلاح، أو بين السياسي، والمواطن، فكل طبقة اجتماعية الثروة هي من تحدد وعيها الجمالي.