البحث عن مَثل أعلى

الرياضة 2023/04/17
...

علي رياح

في ربيع 1988، كنت في مواجهة رشقة دافئة عطرة من أسئلة الشاعر والكاتب والصحفي اللامع فاروق سلوم: كيف يمكن أن نقدّم القدوة الرياضية إلى صغارنا؟ كيف يمكن أن نبتعد عن نمطيتنا في السرد المألوف لحوارات تنشر على صفحات (مجلتي) أو (المزمار) مع النجوم الذين تستهوي الصغار إبداعاتهم؟ ماذا لو منحنا النخبة من نجوم الكرة فرصة الكتابة بأنفسهم عن أنفسهم، فتكون سيرتهم عميقة وصريحة، ولكنها مُبسّطة تتناسب مع أعمار الأطفال والفتيان؟.

كان (سلوم) مديراً لدار ثقافة الأطفال حين كانت تتوهّج بإصدارات لا حصر لها في جوانب حياتية ومعرفية شتى، وبينها بالطبع المجلتان الخالدتان، وكنت حينها مُسؤولاً عن الصفحات الرياضية فيهما، ولم أفاجأ بأفكار الأستاذ سلوم الرياضية.. الرجل كان غارقاً تماماً في الشأن العام وفي كل ما يستهوي الناس، لكنني فوجئت بطلب مباشر لأن أبدأ العمل بعد الاتفاق على أسماء قليلة مُحدّدة ننطلق بها على نحو يستولي على اهتمام القارئ الصغير وربما تبلغ امتداداته الكبار ليكون الصدى واسعاً.. كان الدافع لدى رئيس تحرير المجلتين أن لديّ علاقات ممتازة بأشهر نجوم الكرة استناداً للرفقة في المباريات والبطولات الداخلية والخارجية. ولكي يبصم على الفكرة دونما إبطاء قال: هات يا علي ما لديك.. بمنْ نبدأ؟.

 لم تطل مداولاتنا، فلقد حسمنا الكيفية، أما الأسماء فقد اقترحتُ أربعة منها: فلاح حسن، رعد حمودي، حسين سعيد وأحمد راضي.. وكان علينا ترتيب الأولويات، فاقترحتُ أن نبدأ بفلاح حسن الذي كان قد اعتزل الكرة وتفرّغ لتدريب الزوراء، ووضعنا بعده رعد حمودي ولم يكن قد مضى على اعتزاله الكرة سوى أسابيع قليلة، أما حسين سعيد فكان يواصل العطاء وربما كانت شمسه الكروية تميل إلى الغروب، في حين كان أحمد راضي في عز العطاء وأمامه مساحة من مواسم التألق، فليكن الأخير ريثما تكتمل لديه تجربة اللعب. خرجت من مكتب (فاروق سلوم) وكان اتصالي على الفور بالصديق النجم الكبير فلاح حسن الذي أعجبته الفكرة على نحو مدهش واقترح المباشرة، وقد كان.. هو يروي لي وأنا أترك الزمام لجهاز التسجيل الصغير كي يحفظ لي كل هذا التدفق في السرد الممتع، ولم يبق أمامي أنا ونجمنا الكبير سوى الشروع في النشر في إطار سلسلة من الحلقات.

كان رجع الصدى الجماهيري مدهشاً، وقد أمسك (أبو تيسير) بطرف من النجاح على صفحات (مجلتي) ليقترح عليّ توسيع الفكرة لتظهر مذكراته في شكل كتاب حملَ عنوان (فلاح حسن اللاعب الفنان) صدر فعلا في العام نفسه وحقق رواجاً شديداً وتمّت طباعته مرتين، وللتاريخ فإن فلاح حسن تكفـّـل بمعظم تكاليف الكتاب وكان في منتهى الكرم والسعادة لهذا.

 ولأن النجاح يستتبع النجاح، جاء دور حارسنا الكبير رعد حمودي ومهاجمنا الفذ حسين سعيد ليفيضا بخبايا وأسرار رحلتهما الكروية وقد نشرناها على حلقات متتابعة في المجلة، لكنها بقيت مجرد صفحات منشورة من (مجلتي) أحتفظ بها من دون أن أفكر أو يفكر النجمان في تحويل (البذرة) إلى كتاب يحوي النادر من التفصيلات والصور، انتظاراً لموعد قد يأتي.. أو لا يأتي!.