دنيس بيترسون: واقعيات مفرطة

ثقافة 2023/04/27
...

 إحسان العسكري


هذه المدرسة التي ظهرت مطلق القرن العشرين في أميركا بعد ثورة غير مقبولة يصفها المهتمون بالواقع الفني الغربي بأنّها فترة الانحدار في الفن التشكيلي، وتحديداً المدرسة الواقعية منه، حيث برز المصورون ليؤسسوا نمطاً جديداً معتمد كلياً على أسس المدرسة الواقعية أُطلق عليه في ما بعد تسمية الواقعية المفرطة، وهي ذات المدرسة الأساسية، ولكن بإفراط ودقة بالتفاصيل اعتماداً على التصوير المباشر الدقيق باستخدام الأجهزة. 

وهذه المدرسة هي ما اعتمدها بيترسون في غالبية أعماله -ولكونها مرتبطة بالتصوير الفوتوغرافي لم يتخلَ الفنان عن مبادئ التصوير- فاستخدم الورق ليرسم عليه بالزيت. لقد وثق دينيس بيترسون حالات مجتمعية اميركية ابتدأها في الإنسان كمحور أساسي انطلق منه واستهدف فئة أثارت فيها أعماله الجدل في الأوساط ذات العلاقة.. ففي لوحته مثلاً الرجل المعاق – زيت على ورق، صور رجلاً معاقاً يفترش طريق المارة وكانت الدقة والموضوعية وإسقاطات الظل والألوان تجعل المشاهد لا يصدق أن ما يراه رُسمَ بريشة فنان، ولم يتم تصويره بآلة تصوير. لأن بيترسون يعتمد على كامرته الشخصية في التقاط الحدث ثم يشرع برسمه متوخياً الدقة الشديدة والأبعاد الحقيقية للصورة في واقعها، ثم يشكل حجمها كما يريد ابتداءً من صورة في كتيب وحتى جدارية عظيمة. وانطبق هذا العمل على لوحته "ليس مجدداً – زيت على ورق" والتي أعدها شخصياً من أجمل وأروع ما رسمته أنامل فنان طفلة سمراء بسيطة من الطبقة الفقيرة، حيث أبدع بيترسون برسم ملامح الحزن والخوف والدهشة والرفض في وجه هذه الطفلة، ورغم أنه رسم العديد من هذا النوع إلا أن تصويره لبراءة هذه الطفلة شيء يبهر المتلقي.

اللوحات والتفكير بمحور الحياة الإنسانية وقضايا الفقر والحروب وجهور الفن الاميركي جعلت من بيترسون يتربع على عرش العالمية، فلوحاته التي وثقت حرب دارفور اصبحت في متناول العالم بعد أن اعتمد المعرض المتجول، ففي عمل من سلسلة "لا تذرفي الدموع – بولي فينيل على ورق متمدد" صور المرأة الدارفورية وهي غارقة في حالة من البؤس المفرط الممتزج بالصبر وانتقالاتها بين الهرب، والعناية بالأسرة، والجوع، والموت. حتى المباني والطبيعة والطعام لم يتركها دينيس بيترسون، بل وثق كل ما تصل إليه ريشته وكامرته. لقد كان يصور ويعيد رسم ما صوره واضعاً روح الشعور بالمسؤولية نصب عينيه وخلق أجواء من الجمال المفرط في لوحات وثقت الحزن والبؤس والظلم بالاعتماد على المدرسة الواقعية المفرطة في الفن التشكيلي والتي تعد من أهم وأكثر المدارس انتشاراً في عصرنا.