نساء مؤثرات في الحركة الفنيَّة العالميَّة

ثقافة 2023/04/29
...

 شارلوت ليديا ستيس

 ترجمة: مظفر لامي


(كيف يمكنك أن تحكي قصة ثقافة ما، ولا تشمل جميع الأصوات فيها)

 فتيات حرب العصابات

عند البحث في معظم كتب تاريخ الفن، نواجه صعوبة في العثور على إشارات عديدة للفنانات، لكن هذا الوضع تغير منذ منتصف القرن العشرين. وأصبح ممكنا استكشاف تاريخ الفن النسوي، الذي سنختار منه، في مقالنا هذا، عشر فنانات، مهدن الطريق لواحدة من أقوى الحركات الفنيَّة عبر التاريخ، والتي من شأنها تحدي الوضع الراهن، وإعادة تشكيل إنتاج وتلقي الفن المعاصر.

الفن النسوي كحركة ومفهوم جديد نسبياً في تاريخ الفن، لم يؤتِ ثماره إلا في الستينات والسبعينات من القرن العشرين، عندما شرعت العديد من النساء اللواتي وجدن أنفسهن مناصرات للحركة النسويَّة، بتقديم مجموعة من الأعمال الفنية التي تصدت للوضع الأبوي في عالم الفن. وحين نتساءل عن الكيفيَّة التي توسعن فيها فنانات هذين العقدين في فكرة الفن النسوي، بينما العديد من الرسامات المبدعات كنَّ قد سبقنهن في هذا التوجه، نجد أن الحركة الفنيَّة النسوية في تلك الحقبة، إنما ولدت من الاضطرابات الثقافية الهائلة التي سبقت ظهورها. فلم تكن هناك حركات حقوق مدنيَّة، وحركات نسويَّة ومناهضة للحرب فحسب، بل كان هناك أيضاً تحرر في العلاقات بين الجنسين، واغتيالات سياسية، وموجة جديدة من الموسيقى. علاوة على ذلك، شجع مقال مؤرخة الفن الأمريكي ليندا نوشلين المعنون (لماذا لم يكن هناك فنانات عظيمات) في عام 1971 على إحداث تحول جوهري، أدى إلى إبراز وانتقاد الظروف التي منعت المرأة من الحصول على المكانة نفسها التي يتمتع بها الرجل. وهذه الحركة الاجتماعية والمناخ السياسي، والكتابات الأكاديمية، ساعدت جميعها على تهيئة المشهد لظهور حركة فنية جديدة، ناضلت للتعبير عن التجربة الأنثويَّة بحرية. 

ومنذ نشأت هذه الحركة وحتى الزمن الحاضر، تعاقبت أسماء وتجارب عديدة لفنانات من مختلف بقاع العالم، سنسلط الضوء هنا على بعض من أبرز المساهمات في بناء وتشكيل هذه الحركة الفنية، وستكون بدايتنا مع جورجيا أوكيفي (1887 - 1986) التي تُكنى بأم الحداثة الأمريكية، والحركة الفنيَّة النسويَّة. وهي معروفة بلوحات الزهور الضخمة، وناطحات السحاب في نيويورك، والمناظر الطبيعيَّة في نيو مكسيكو. وفي أعمالها نجد إشارات عديدة للشكل الأنثوي، فعلى سبيل المثال، أخذت لوحاتها للزهور شهرتها من الانحناءات والطيات والطبقات الداخليَّة والمظللة التي تلمح لمفاتن الجسد الأنثوي. وكان لدفاعها عن الفنانات في أوائل القرن العشرين، تأثير مهم، مهد الطريق لفنانات الحركة النسوية في الستينات والسبعينات. أما الفنانة المكسيكية فريدا كاهلو (1907 - 1954) فكانت شهرتها مرتبطة بالعديد من لوحات الصور الشخصية، والصور الشخصية الذاتية، والأعمال المستوحاة من الطبيعة والأشياء الأصيلة في المكسيك. واعتبرها الكثيرون واحدة من الفنانات الأكثر ثوريَّة في كلِّ العصور، نظرا لتمرّدها على العديد من الأعراف الاجتماعية. فبدلا من ظهورها بهيئة امرأة مثالية، اتخذت مظهراً أكثر ذكوريَّة من خلال اختيارات ملابسها، وشعرها غير المصفف، وحاجبيها الغليظين، حيث قدمت هذا التحدي الأنثوي في العديد من صورها الذاتية، ليس هذا فحسب، بل تعاطت في لوحاتها مع العديد من القضايا النسائيَّة مثل الإجهاض، الإسقاط، الولادة، الرضاعة الطبيعيَّة، ومواضيع أخرى كثيرة.

الفنانة الفرنسية الأمريكية لويز جوزفين بورجوا (1911 - 2010) كان لها أيضاً تأثير كبير في الفن النسوي من خلال مسيرتها المهنية التي امتدت لثمانية عقود. وبصرف النظر عن أعمالها النحتية والتركيبية، فهي أيضاً رسامة وطبّاعة، عالجت في أعمالها الفنية مجموعة متنوعة من الأفكار النسويَّة، مثل الأسرة، العلاقات الشخصية والجسد، فتيات الليل والهروب من المنزل. وفي الفن المفاهيمي نجد فنانة الوسائط المتعددة البيروفية ماريا تيريزا (مواليد 1935) التي سعت إلى التشكيك في المفاهيم النمطية للأنوثة وإعادة تعريفها، وعلى وجه الخصوص، ركزت على الجانب الذي يتعلق بوسائل الإعلام والعمل المنزلي. حيث قدمت في أعمالها مشاهد محليَّة مليئة بالألوان ورموز ثقافة البوب في الستينات. وفي ذات الحركة المفاهيميَّة اشتهرت الفنانة الأمريكية باربارا كروجر من (مواليد 1945) بأسلوبها في فن الكولاج الذي يتكون من صور فوتوغرافية بالأبيض والأسود، مع تعليقات توضيحيَّة، تتضمن في الغالب، ضمائر مثل أنت، لك، نحن و هم. وكانت تسعى من خلال أعمالها إلى معالجة التركيبات الثقافية للسلطة والهوية، وتنتقد النزعة الاستهلاكية والانقياد للرغبات، الأمر الذي حول بعض أعمالها إلى رموز في الحركة النسويَّة.

في الفن الرقمي والفيديو التركيبي والتصوير الفوتوغرافي، تبرز الفنانة الأمريكية كاري ماي ويمس من (مواليد 1953) التي تهدف أعمالها لاستكشاف مكانة المرأة في العالم، وكانت لها جهود في الدفاع عن حقوق المرأة السوداء وحريتها. وقد أثرت في أعمال بعض الفنانات بعدها. اشتهرت أيضاً مواطنتها كيكي سمث (مواليد 1954) المولودة في المانيا بتقديمها مواضيع حول الموت والعلاقات بين الجنسين، وكانت تجرب في أنماط فنية مختلفة مثل الوشم والرسم والنحت والطباعة... الخ. وكانت أعمالها مكرّسة للبحث في الشخصية الأنثويَّة ودورها في المجتمع.

ولا يمكن أن تكتمل أي قائمة بالفنانات النسويّات من دون ذكر فتيات حرب العصابات التي تأسست في نيويورك عام 1985، وهي مجموعة مجهولة من الفنانات، يستخدمن أقنعة لإخفاء أنفسهن، وهدفهن مكرّس لمحاربة التمييز الجنسي والعنصري في عالم الفن. وأعمالهن في الأغلب ملصقات، يقمن بعرضها في أماكن غير مسموح بها، مثل المتاحف والمعارض الخارجية، ويستخدمن الحقائق والأرقام الحقيقية وشيء من الفكاهة في مشاركاتهن. 

وفي انكلترا، اكتسبت الفنانة سارة لوكاس (مواليد 1962) شهرتها كفنانة شابة خلال التسعينات. وكانت تعتمد التورية المرئية والفكاهة، من خلال دمج التصوير الفوتوغرافي والكولاج، واستخدام مواد مختلفة في أعمالها الفنيَّة. وكانت تشير، في عملها كمصورة، لمفهوم (النظرة الذكوريَّة) لتشجيع المتلقي على إعادة النظر في الكيفيَّة التي تقدم فيها المرأة في وسائل الإعلام وخارجها. أما مواطنتها الكسندرا غالاغر (مواليد 1980) فاستهدفت في أعمالها المفاهيم النسويَّة والهويَّة، وكانت تقدم صورها السرياليَّة للرسومات الخياليَّة بأسلوب الكولاج والرسم والمطبوعات، لنساء في عوالم روحيَّة خياليَّة. والملاحظ أن أعمالها التي تهدف لتحرير النساء من الصور النمطيَّة الذكوريَّة، أتت منسجمة مع توجهات الموجة الثانية والثالثة من الفنانات النسويّات.