الإعلامي المسروق

منصة 2023/05/04
...

    سهى الطائي

نشاهد عبر الشاشات وفي كل القنوات المحليَّة منها والعربيَّة كماً هائلا من البرامج والمقابلات التي تستضيف عدداً من الأشخاص على اختلاف توجهاتهم وبمختلف الموضوعات والقضايا، ويتراود في أذهاننا بعد رؤية فشل المُقدم أو الحاور في تلك البرامج عن غياب الإعلاميين الجدد أو حتى المخضرمين، وأن ما نراه الآن من هؤلاء المتصدرين للشاشات ما هم إلا ممثلون لا يفقهون ماهية الإعلام وصفاته، ومغنون لا يدركون ولا يمسكون خيوط لقائهم مع الضيوف.

فنرى أن الضيف في وادٍ والمحاور في وادٍ آخر، وقد لاحظ كثير منا هذه الحالات فأصبح الآن ممثل يعرفه الجميع مُقدماً هنا ومُحاوراً هناك؛ إلا أن فشله بادٍ للعيان وواضح للمشاهد؛ ويأبى مدير القناة أن يقتنع ويظل مخرج المادة مُتمسكاً به رغم النقد اللاذع والاعتراض الصارخ من المشاهد؛ حتى أصبح المغني والممثل "جوكر" يمكن وضعه في أي مكان وهو يفسد الطبخة بملحه الباهت للمتلقي الذي أمسى يشكو من هذه الحالات فينتقد محاولة منه في إيصال صوته لمن يهمه الأمر؛ وينقد بشدة محاولة اخرى لتغيير واقع القنوات من دون جدوى.

وفي دردشة لي مع أحد المخرجين القدماء حيث سألته عن أحد الممثلين وكيف أُعطي دور مقدم في برنامج مهم وهو ليس إعلامياً! فقال لي لا يوجد وقت للبحث ولا يسعفنا ايضا في تدريبهم للظهور على الشاشات وامام الكاميرات، وهم يرون أن "الشكل والكاريزما" هي التي تجعلهم يأتون بهؤلاء ويهمشون الاعلاميين ولا يعطونهم فرصة ليثبتوا جدارتهم وليطبقوا ما درسوه لسنوات على أرض الواقع وهم لا ينتظرون إلا هذه الفرصة التي يستحقونها .

كل سنة يتخرج كم هائل من الإعلاميين في مختلف التخصصات الدقيقة والجميع قد أخذ هذا العلم الإنساني وتعمق في دراسته، فهو يعرف جيداً كيف يدير الحوار وكيف يكسب ثقة الضيف ليدلي بأقوال لم يطلقها سابقاً ويعرف أيضا أنواع الجمهور وكيفية التعامل معهم .

وقد درس جيداً اللغة الإعلامية، فمن المؤكد أنه لن يقع بما يقع به الآن الممثل "السارق للمهنة" ولن يكون خاوياً كما كان المُغني الفلاني في حواره مع الضيف .

فكيف لكم أن تساعدوا أو تمنحوا مهنة لا يمكن امتهانها إلا لذوي الاختصاص وكيف لكم أن تصروا على أخطائكم رغم الكم الهائل من الاعتراض، ماذا لو أعطى مديرو القنوات مجالاً للاعلاميين الشباب وللاساتذة المختصين في الإعلام، ومنحهم حقهم في 

الظهور؟

لماذا فقط الإعلامي هو الذي تُسرق مهنته من دون بقية التخصصات؟ ولماذا نرى أن الإعلامي هو الذي تغتصب أحقيته فيما درس وتعلم، فهل رأينا يوماً طبيباً يبني عمارة من دون مهندس يرسم له خريطتها، وهل نجد فلاحاً يقف في صيدلية ليصرف الدواء؟ أو نجاراً يحقن الإبر للمرضى؟ لماذا يُصر الممثل على أخذ دور الإعلامي؟ ويتعمد المُغني أن يجلس على كرسي مختص بالاعلام؟ 

اليوم نحن في سرقة واضحة وجلّية والمتضرر الأول فيها ذلك الذي درس وتعب وتمنى فرصة اغتصبها غيره بمساعدة الآخرين، أما المتضرر الثاني فهو المُتلقي المسكين، إنه زمن العجائب الذي لم يتوقف عند هذا فقط فالإعلامي مسروقة مهنته وكتابته أيضا خاصة للصحفيين، وقد سمع بعضنا ورأى بأم عينه كيف تباع مقالات مهمة لسياسي فاشل حتى في الكتابة والبحث والتعبير، وتقارير وضعها صحفي مغمور بيعت لصاحب منصب ادّعى أنه من كتبها، ولا نستغرب حين يولد كتاب لجاهل رفيع المقام يُكتب عليه اسمه فقط وهو حتى لم يطلع على محتواه لانه ببساطه إبتاعه من فقير مثقف؛ رضي بأن يظل مغبوناً مغموراً لاحتياجه للمال فباع نتاجه الفكري لغبي يحاول أن يبدو مثقفاً وليقال فيما بعد مؤلف الكتاب الفلاني، وكم وكم شاهدنا تلك القصص وسمعنا عنها والتي نكتبها وتعتصر قلوبنا لها، فمتى لا تُسرق أيها الإعلامي برضائك أو رُغماً عنك، ومتى يعود حقك في تأدية مهنتك والوقوف في مكانك الذي تستحق .