إدمان {تويتر}.. من وجهة نظر نفسيَّة

علوم وتكنلوجيا 2023/05/04
...

  د. ياسين طرار غند


يمكن أن يشعرنا تويتر بأنه صراعٌ مستمرٌ في المنبع، السباحة ضد تيارٍ من التغريدات من دون توقف، والتقاط أنفاسنا عندما نصل إلى الجزء العلوي من اللفافة، فقط لتتعرض لموجة أخرى من المحتوى الذي يرسلنا إلى اتجاه مجرى النهر، للبقاء واقفة على قدميها، نقوم بالتحديث، والسحب، والنقر، والنشر، وإعادة التغريد، والتحديث.

ما الذي يحدث هنا؟

بيان مهمة "تويتر" هو "منح الجميع القدرة على إنشاء الأفكار والمعلومات ومشاركتها على الفور، من دون عوائق".

إذا كانت لدينا فكرة رائعة، فيمكننا مشاركتها - فلا شيء يعيقنا. إذا رأينا شيئًا يستحق النشر، بنقرة زر بسيطة، يمكننا نشر الكلمة للملايين. وأحيانًا، نفوز باليانصيب عندما تنتشر منشوراتنا بسرعة، أو نرسل تغريدات إلى أحد المشاهير ويعيدون تغريدها. فلماذا نحن مهووسون بالتحقق باستمرار من خلاصاتنا على "تويتر" ونشرها، حتى أثناء الاستلقاء مستيقظًا في الساعة 3 صباحًا؟

من وجهة نظر نفسيَّة، يستغل "تويتر" عمليات التعلم الطبيعيَّة القائمة على المكافأة: التحفيز، والسلوك، والمكافأة لدينا فكرة أو نفكر في شيء مضحك (محفز)، وقم بتغريدة (السلوك)، واستقبل الإعجابات وإعادة التغريد (المكافأة). تؤدي عمليَّة التعلم هذه إلى اندفاع الدوبامين في مراكز المكافأة في الدماغ، كلما فعلنا ذلك، زاد تعزيز هذا السلوك. استنادًا إلى عمليَّة البقاء التكيفيَّة التطوريَّة التي تساعدنا على تذكر مكان الطعام، تتعلم أدمغتنا الآن حلقة عادات جديدة للبقاء على قيد الحياة: يمكننا حتى تتبع "الصلة" الخاصة بنا من خلال عدد الانطباعات والتغريدات والمتابعين لدينا.

يأتي الجانب الضار لمنصة "تويتر" من الصيغة التي تتم بها إدارة الصفحة الشخصيَّة للمستخدم ونمط الاستخدام. وقد نشعر بالغضب من تغريدة لشخصٍ ما، هنا يصرخ دماغنا "قم بفعل شيء ما". ثم يتبع ذلك أنْ نطلقَ عنان التعبير لغضبنا عبر تغريدة مضادة مفعمة بالغضب تجاه هذا الشخص، فتأتينا مكافأة على هيئة شكلين: الأول- تبرئة الذات وتصوير الذات ككيانٍ صالحٍ من مجرد الرد المباشر. الثاني- تلقي رد فعلٍ ربما يكون بالموافقة والتأييد من معجبين بالتغريدة ومرات إعادة تدويرها مرات متتالية من قبل أشخاص آخرين، فيتحرر وينطبق من دماغنا موصلات عصبيَّة من مراكز المكافأة في الدماغ مثل الدوبامين 

وغيره.


الجانب المظلم لتويتر

ومع ذلك انتظر، إذا كانت لدينا مجموعة كبيرة من المتابعين الذين غالبًا يشاركوننا وجهة نظرنا الخاصة للعالم ونريد استهداف شخصٍ معينٍ يمكننا إرسال تغريدة سيئة ثم ننتظر ما يمكن أنْ يعتمل في تكويننا النفسي من سعادة عندما يدعمنا متابعونا في هذه التغريدة، بما يغذي الميل إلى مثل هذه الممارسة في 

الاستخدام. 

الأمر الذي يتطلب أنْ نطرح أسئلة واقعيَّة حول الجانب المظلم لتوتير، ونحن كبشرٍ لماذا يكون من المجزي أنْ تكون عنيفًا إلى هذه الدرجة؟ وفي أعماقنا هل نحن جميعًا هكذا؟.

إذا نظرنا إلى الأسئلة المثارة في هذا المجال من منظورٍ علمي، نعلم أنَّ التعلم القائم على المكافأة، يعدُّ إحدى عمليات التعلم الأساسيَّة والمركزيَّة والقديمة والمصاحبة للإنسان منذ أنْ وجدَ على سطح 

الأرض. 

وما يجدر التنويه إليه في واقع الأمر أننا كبشرٍ نمارس أساليب حياة وتفاعلٍ لا يتم بموجبها إلا تنشيط (20.000) خليَّة عصبيَّة، رغم ما يشير إليه علماء الدماغ والمتخصصون في العلوم العصبيَّة من أنَّ الدماغ البشري يحتوي على ما يقرب من (86.000.000.000)، الأمر الذي ينزلنا إلى مرتبة "الرخويات" والتي تتعلم بالطريقة ذاتها التي نتعلم بها؛ أي بحلقات التعزيز الإيجابيَّة والسلبيَّة ذاتها، وما وسائل التواصل الاجتماعي الحالة والمعاصرة إلا جزءٌ مهمٌ وشديدُ التأثير في هذا السياق وإنْ كنا نميل بصورة عامَّة إلى تجاهل التعليقات السلبيَّة والعمل على حذفها والإبقاء على التعليقات الإيجابيَّة والإعجابات، الأمر الذي يجعلنا مرتبطين أو بالأحرى أسرى للتصفح والتدون والتغريد على الدوام.

تجدر الإشارة أيضًا إلى أننا نتعلم بصورة أفضل من كل من التغذية الراجعة الإيجابيَّة والتغذية الراجعة السلبيَّة، فالتغذية الراجعة بغض النظر عن نمطها تجعلنا في حالة من استدامة الاستخدام والاستمرار فيه، وتأتي غالبيَّة التغذية الراجعة على هيئة غير لفظيَّة. 

ورغم الجدل المثار حول نسبة أو مقدار التعلم الذي نتحصل عليه من المثيرات غير اللفظيَّة إلا أننا نعول وبصورة عامَّة على الجوانب غير اللفظيَّة في تلقي الرسائل ذات المعنى والدلالة للدرجة التي يقال فيها إنَّ "التعلم القائم على الكلمات" أو التعلم المرتبط بالاستماع اللفظي لا يتجاوز 7 % فقط. 

فعندما نلتقي وجهًا لوجه مع شخصٍ ما نرى نتائج أفعالنا في كل من لغة جسده ونبرة صوته، ومع كل هذه التغذية الراجعة نصبح على درجة عالية من الوضوح من أنَّ أفعالنا إما سببت أذىً له أم لم تسبب أو سببت بهجة وفرحة له، بمعنى أننا نرى في اللحظة عينها ما قمنا بفعله ومدى تأثيره في الآخرين، إذ أظهرت نتائج التجارب التي أجريت على المتغيرات الأخلاقيَّة أننا نتصرف بشكلٍ مختلفٍ حال كوننا مشاركين شخصيًا في الموقف ومتأثرين به أو منفعلين به في مقابل كوننا فاعلين لشيء ما أو قائمين بشيء ما له أثر في الآخرين خاصة إذا كنا لا نعرفهم أو إذا لم نتمكن من رؤية كيف أثرت أفعالنا فيهم. 

ورغم ذلك القاعدة الأساسيَّة في هذا الصدد أنه إذا شعرنا بالضيق والاستياء حال إدراكنا أننا سببنا إزعاجاً وتوترًا وأذى ما لشخص يفترض طبيعيًا وتلقائيًا أنْ نتوقف عن فعل ما أحدث هذا الأمر، وأشار أبراهام لينكولن إلى هذا المعنى عندما أفاد بقوله "عندما أفعل الخير أشعر بأنني في حالة نفسيَّة جيدة، والعكس صحيح أي عندما أفعل شيئًا سيئًا يفترض أنْ أشعر بالضيق والكرب والمشقة وربما الاستياء من الذات، وهذا هو ديني".


سوء واذى

والسؤال هل فقدنا ديننا وفقًا لمضامين مقولة أبراهام لينكولن؟ أم أنَّ منصات التواصل الاجتماعي شوهت وأخلت بصورة جوهريَّة من دائرة ملاحظاتنا للتغذية الراجعة بحيث أصبحنا لا نطرب ولا نبتهج إلا بالإساءة والإزعاج ومضايقة الآخرين؟ لا سيما أنَّ استخدام منصات ووسائل التواصل الاجتماعي حجبت عنها رؤية نتائج أفعالنا على الآخرين؛ ومن ثم لا نتلقى التغذية الراجعة إلا من أنفسنا أو حتى من الآخرين الذين يحرضوننا على تجاهل الآخرين وما لحق بهم من سوء 

أو أذى.

وعادة يترتب على هذه الوضعيَّة اندفاعنا ربما تلقائيًا نحو إعادة تشغيل التغريدات في رؤوسنا مبررين أو مسوغين أفعالنا من خلال ما يتحرر من أدمغتنا من جرعات إضافة من الدوبامين ومن خلال حلقات التغذيَّة الراجعة المشوهة، الأمر الذي أفضي إلى أنْ يتعلم البعض منها الربط بين إيذاء الآخرين والمتعة.


كسر الإدمان

ما الذي بإمكاننا القيام به لنعثر على أنفسنا مرة ثانية بعد حالة الغرق وفقد الذات بالتماوج في دوامات منصات التواصل الاجتماعي إدمانًا وتعلقًا سيئًا؟ ما الذي يمكن أنْ نقوم بفعله إذا وجدنا أنفسنا نطلق تدوينات أو تغريدات غاضبة أو نفكر طويلاً وبصورة حصريَّة لمدة زمنيَّة طويلة في شيءٍ قام شخصٌ ما بتدوينه أو تغريده على منصة "تويتر" عنا؟.

بداية يمكن التنويه إلى فهم هذه العمليَّة يمثل نصف متطلبات الظفر في معركة تحرير الذات من هذه التبعيَّة الاعتماديَّة، علاوة على حتمية أنْ نعرف كيفيَّة عمل أدمغتنا في إطار ما يعرف بالكشف عن وتحديد حلقات العادات التي تم تعزيزها مسبقًا إذا ما أردنا التخلص من هذه العادات.

على أيَّة حال يمكن تحقيق الهدف المشار إليه من خلال تنمية ما يعرف بممارسات وتدريبات الوعي بالذات من خلال التدريب على "التعقل"، أو "اليقظة الذهنيَّة"، أو "اليقظة العقليَّة"، أو "الوعي العمدي الآني"، أو "الوعي اليقظة والانفتاح العقلي اليقظ على الحاضر"، علاوة على التدريب على التروي وعدم الاندفاع والانتباه إلى تداعيات ونتائج أفعالنا على الآخرين في ما يعرف بـ"تدريبات الانتباه" القائم على الحساسيَّة بالآخر، فضلاً عن التدريب المكثف على ما يعرف باتخاذ منظور الآخر أو الذات مكان الشخص الآخر الذي نوجه له تغريداتنا، والتفكير المسبق في كيف يمكن أنْ يتلقى ويتفاعل مع تغريداتنا عنه؟ وما يمكن أنْ يكون شعوره تجاه 

ذلك؟ 

يمكن أنْ يكون تطوير ممارسات الوعي، مثل اليقظة، مفيدًا أيضًا في الانتباه إلى نتائج أفعالنا. نضع أنفسنا مكان الشخص في الطرف الآخر من تغريدتنا. كيف سأتلقى هذه التغريدة؟ كيف سيكون شعوري 

هذا؟.

وربما يترتب على مثل هذه التدريبات أو التدخلات الإرشاديَّة إن جاز التعبير التغلب على مشكلة نقص التغذيَّة الراجعة المباشرة والفعليَّة التي نتلقاها عبر منصة "تويتر"، وبما يمكن معه تغيير ديناميات عمل نظام المكافأة في الدماغ فبدلاً من الشعور بالاستثارة والبهجة نتيجة استخدامنا الشيء أو المضر بالآخرين، نعطي أنفسنا فرصة للتراجع وتصويب الذات واكتساب دواعي الرقة واللطف بوصفه شعورًا إيجابيًا لحياة رقميَّة أفضل. 

هذا يساعد في عدم وجود ملاحظات متأصلة في "تويتر" هذا يفتح المجال لعدم إطعام تلك اللحظات عندما يكون لدينا على ما يبدو دافعًا لا يمكن السيطرة عليه لإطلاق "حساب "تويتر" الجميل" على شخصٍ ما. حتى أنه قد يغير ديناميكيات المكافأة. 

فبدلاً من الشعور بمكافأة الإثارة والصلاحيَّة "لقد عرضته، قد نكون قادرين حتى على ملاحظة شعور التراجع. وكونك لطيفًا ليس مبالغًا فيه - إنه في الواقع شعورٌ جيدٌ جدًا، أو أفضل.