لم يكن تعدد الزوجات حديث العهد في المجتمعات البشرية، فقد وجد وطبق وفق الظروف الاجتماعية والاقتصادية لكل جماعة، حتى أن القوانين القديمة أقرته، فأجاز قانون حمورابي مثلاً، للرجل الزواج بزوجة ثانية، إذا كانت زوجته عاقراً أو مريضة.
في الديانة اليهودية كان التعدد مباحاً، فقد جمع ملوك اليهود بين عدة زوجات، وروي في التوراة أن الملك سليمان كان متزوجاً من سبعمائة امرأة، وظل الوضع على حاله، إلى أن منع تعدد الزوجات في القرن الحادي عشر من قبل المجمع الكنيسي في ألمانيا، فيما لم تمنع الديانة المسيحية التعدد بصورة صريحة، فقد عرف كثير من الملوك المسيحيين متزوجين من أكثر من امرأة، حتى أن “القس مارتن لوثر” أباح التعدد في عدة مناسبات وأعلن أن المسيح لم يحرمه، إلا أن الكنيسة قررت لاحقاً بجميع مذاهبها، منع التعدد واعتبار الزواج الثاني باطلاً، انطلاقاً من قول السيد المسيح: “يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونا جسداً واحداً”.
وحدها الشريعة الإسلامية أبقت على نظام تعدد الزوجات، الذي كان معروفاً في الجاهلية قبل الإسلام من دون ضوابط وقيود، فجاء الإسلام “وقيده” بعدد محدد وبشروط محددة، فقصر عدد الزوجات بأربع، بنص قرآني “ فانكحوا ما طاب لكم من النساء، مثنى وثلاث ورباع”، ورغم اختلاف التفاسير حول الآية المذكورة، فإن الثابت أن المقصود من التعداد المذكور هو أربع زوجات كحدّ أعلى، إلا أن الإسلام بالمقابل علّق إباحة تعدد الزوجات على شرط العدل “فإن خفتم ألا تعدولوا فواحدة”، ومؤكداً في موضع آخر على استحالة العدل، “ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم”، رغم ذلك ما زال تعدد الزوجات مشرعاً، ويتمسك أغلب من يقدم عليه بحجة أنه شرع الله، من دون أن يلتفت إلى ما أمر به من العدالة والمساواة بين الزوجتين، ضارباً عرض الحائط بمشاعر الزوجة ومستسلماً لنزواته
وشهواته.
أما من الناحية القانونية؛ فإن معظم قوانين الأحوال الشخصية في الدول العربية تشرع تعدد الزوجات، على اعتبار القرآن الكريم والسنة النبوية هما المصدران اللذان يستمد منهما التشريع، إلا أن بعضها نحى منحى مختلفاً في هذا المجال، وكانت تونس سباقة فيه بأن منعت تعدد الزوجات، وفرضت عقوبة الحبس والغرامة على من يقدم عليه، ولجأت دول أخرى إلى تقييده بشروط عدة، ففي القانون السوري مُنح القاضي الحق في الإذن للزوج بأن يتزوج على إمراته، إذا كان لديه مسوغ شرعي، وكان قادراً على نفقتهما، والقانون العراقي يقيد التعدد بشرط العدل، “ وإذا خيف عدم العدل بين الزوجات فلا يجوز التعدد ويترك تقدير الأمر للقاضي”، ولا يختلف الحال في باقي البلاد العربية بشكل عام مع استثناءات بسيطة.
مازالت المرأة العربية تجبر على قبول شركاء معها في حياتها بحكم الشرع والقانون، غير قادرة على الرفض في كثير من الحالات لكي “لاتخرب بيتها بإيدها”، ألم يحن الوقت لنخلع عنا عباءة تاريخ ما أنصف المرأة يوماً، أما آن لتلك العباءة أن تستبدل بأخرى أكثر حداثة وتطوراً؟.