تحويل العقود إلى موظفين.. مفارقات محزنة

ريبورتاج 2023/05/11
...

 علي غني

 تصوير: خضير العتابي

بكى (قاسم) الذي تقدم به العمر ليظفر بوظيفة مناسبة تليق به بعد سنوات عجاف (بحرقة)، بعد أن فقد وظيفته والعقد الذي انتظره حتى شاب شعر رأسه، وربما يتساءل البعض عن السر وراء بكاء هذا الموظف البسيط المرتبط بإحدى الدوائر الحكوميَّة (بعقد) كان يؤمن بعض قوته اليومي، وقبل أن أنطلق لفك ألغاز هذا البكاء، فإن (إحسان) الشاب انتابته فرحة عارمة، هذا التناقض حمله قرار تحويل أصحاب العقود على الملاك الدائم في بعض دوائر الدولة، فأصحاب الأعمار الكبيرة والقريبة للتقاعد، ضاعت فرصتهم (بالوظيفة والتقاعد)، هذا الوصف ينطبق على مئات أو ربما أكثر من أصحاب العقود مثل (قاسم)، فهل كان قرار تحويل العقود إلى الملاك الدائم مصيدة قاتلة للذين اختاروا الوظيفة بعد خريف العمر، أم أن مشرّع القرار كان مستعجلا لركوب قطار الرحيل للشباب؟.

تغيير القوانين

القوانين ليست بمقدسة، وإنَّما من صنع البشر، ويمكن تغييرها، ولكنْ لماذا تتخذ الجهات المشرّعة الطريق الطويلة؟، وهي تعرف الحقائق (وتمتنع) عن دراسة الاعتراض على بعض الفقرات في القوانين المهمَّة التي يتضمنها، فقانون تحويل (العقود) إلى (موظفين)، كان قراراً يحملُ بشائر الخير للعديد من الشباب الذين كانوا يرتبطون بعقودٍ مع دوائرهم، فقد استراحوا من الشائعات التي يسمعونها 

يومياً بتسريحهم من العمل بحججٍ واهية، لكنه في الوقت ذاته تضررت فئة متعبة حصلت على (العقود) بشق الأنفس، ألا وهي فئة 

المتقدمين في السن الحاصلين على العقود، وجرى تحويلهم على الملاك الدائم، فقد غاب عن المشرّع 

بأنَّ هذه الفئة ستفقد الوظيفة والعقد؛ لأنَّ أعمارها قريبة من 

سن التقاعد، بل أنَّ خدمة البعض من هذه الفئة لا تتعدى الثماني 

أو التسع سنوات، فهنا تكمن العبرات.


حلٌ منصف

تعودت أنْ أطرقَ باب النقابات التي تهتم بالدفاع عن مصالح الفئات المظلومة، لا سيما أنَّ قوانين التقاعد فيها ثغرات عديدة، لو اطلع عليها عامَّة الناس لولوا هاربين، وسنكشف هذا الأمر في تحقيقٍ آخر، فحملت أوراقي لرابطة نقابة المتقاعدين، لأبحث عن حلٍ منصفٍ لأصحاب العقود أصحاب الأعمار الكبيرة الذين تحولوا إلى موظفين، فوجدت رئيسها (أبو سامر الشكري الجبوري) ينتظرني عند باب النقابة، وبعد الترحيب، قال: إنَّ حل موضوع هذه الفئة يحتاج إضافة فقرة إلى المادة 13 من قانون التقاعد رقم 26 لسنة 2019 المعدل تقول: (لا يمنع عزل الموظف أو فصله أو تركه العمل أو عند إكماله السن القانونية الراتب التقاعدي ممن لديه خدمة في دوائر الدولة المدنية والعسكرية بغض النظر عن مدة الخدمة التي أداها الموظف لكونه يدفع توقيفات تقاعديَّة عن تلك المدة بشرط تجاوز عمره 45 عاماً).


معالجة جديدة

وبيَّن رئيس الجمعية العراقية للمتقاعدين العراقيين الأستاذ مهدي العيسى، أنَّ "الهيئة العامَّة للتقاعد الوطنية تشترط أنْ تكون سنوات خدمة الموظف (15) سنة حتى يحال على التقاعد"، لكنْ والكلام لمهدي عيسى: "هناك مادة في قانون التقاعد (نسعى لتعديلها)، نريد الذي يحال على التقاعد عند بلوغه السن القانونية وليس له خدمة (15) سنة، هذه المادة تعدل، وكـ(الآتي): (إذا عنده عشر سنوات يخير بين أمرين، إما يأخذ مكافأة نهاية الخدمة لمرة واحدة، أو يخصص له راتبٌ مقطوعٌ، يكون بالشكل الآتي: (إذا كان لديه عشر سنوات يمنح راتباً تقاعدياً قدره (150) ألف دينار، وإذا لديه (11) سنة يكون راتبه (200) ألف دينار، أما إذا كان لديه (12) سنة فيكون راتبه (250) ألف دينار، وإذا كان لديه (13) سنة، يكون راتبه (300) ألف دينار، أما إذا كان لديه (14) سنة فيكون راتبه (350) ألف دينار).

وتابع: "أما الذي لديه خدمة قدرها (8 أو 9) سنوات أو أقل فله حقُّ شراء خدمة من القطاع الخاص أو المختلط ويدفع توقيفات تقاعديَّة إلى أنْ تصل خدمته الى (15) سنة عندها يصبح راتبه التقاعدي (500) ألف دينار".

وأشار إلى أنَّ "الجمعيَّة قدمت مسودة ثانية لقانون التقاعد الموحد رقم (9) لسنة 2014، هذه المسودة عالجنا فيها كل المثالب والفجوات التي تضمنها قانون التقاعد وزيادة رواتب المتقاعدين وإلغاء التمييز بين المتقاعدين أنفسهم، هذا 

القانون قدم إلى مجلس النواب وهو الآن في أدراج اللجنة القانونيَّة بانتظار إكمال إعداده ورفعه لغرض وضعه في جدول أعمال مجلس النواب".

وكشف العيسى عن أنَّ هذا القانون "عالج المدد القصيرة، وكل الأمور التي يعاني منها المتعاقدون، ونحن في انتظارالتشريع".


مقترحات واقعيَّة

أجزم أني وجدت أناساً يتمتعون بشجاعة عالية وروحٍ وطنيَّة، لا سيما المنتمين للجمعيات والنقابات المختصة بشؤون التقاعد، بل أنَّ مقترحاتها واقعيَّة وقابلة للتنفيذ، على النقيض من الجهات الرسميَّة، فهي تتملصُ من الأسئلة، وتصطنع محاذير غير واقعيَّة وتنسبها إلى الجهات العليا، لكنْ- والحق يقال، أنَّ لدى الأستاذ ستار جبار البدران- رئيس رابطة المتقاعدين قسراً، مقترحات تستحق أنْ نستعرضها عسى أنْ نذكر الجهات المسؤولة بها، إذ طالب بزيادة الحد الأدنى للراتب للذين لديهم خدمة 15 سنة فما دون وليكن مليون دينار إلى جانب زيادة رواتب المتقاعدين بنحوٍ عامٍ وبحسب نسبة التضخم الحاصل ومنذ سنة 2014، وهذا نص المادة 36 من قانون التقاعد رقم ٩ لسنة 2014 المجمدة، كما أنَّ على هيئة التقاعد الوطنيَّة إرجاع التوقيفات التقاعديَّة المستقطعة منهم كمكافأة، فضلاً عن منحهم رواتب وظيفيَّة للفترة المجتزأة منهم ناقص الرواتب التقاعديَّة التي يتقاضونها طيلة الفترة.

وتطرق (رئيس رابطة المتقاعدين قسراً) إلى فئات ضحايا قانون التقاعد القسري الظالم رقم ٢٦ لسنة ٢٠١٩، وهم المعينون مؤخراً وليس لديهم خدمة ١٥ سنة وغير مشمولين بالراتب التقاعدي، فضلاً عن الشرائح التي لديها خدمة عقدٍ طويلة ولم تضف عند تثبيتهم على الملاك الدائم.


الحل المنصف

وأنا أرى (والكلام للبدران)، أنَّ "الحل المنصف لجميع الفئات التي تضررت من جميع قوانين التقاعد، وبالأخص أصحاب العقود الذين تحولوا على الملاك الدائم (وخدمتهم الوظيفيَّة قليلة، هو بإعادة السن القانونية للتقاعد إلى 63 سنة أو 65 أسوة باخوتنا في الإقليم، وكذلك إعادتهم للوظيفة كعقدٍ (كم سنة)، لغرض إضافتها لخدمتهم السابقة ليتسنى لهم تسلم راتبٍ تقاعدي، إلى جانب منحهم السنوات المسلوبة منهم لتزداد خدمتهم ليستحقوا راتباً تقاعدياً، ومنحهم مكافأة وهذا يحتاج الى إضافة فقرة إلى المادة 13 من قانون التقاعد رقم 26 لسنة 2019 المعدل التي تنص (لا يمنع عزل الموظف أو فصله أو تركه العمل أو عند إكماله السن القانونية الراتب التقاعدي ممن لديه خدمة في دوائر الدولة المدنيَّة والعسكريَّة بغض النظر عن مدة الخدمة التي أداها الموظف لكونه يدفع توقيفات تقاعديَّة عن تلك المدة بشرط تجاوز عمره 45 سنة حسب التعديل الأول لقانون التقاعد الموحد رقم ٩ لسنة 2014 المرقم 26 لسنة 2019).

ونحن كرابطة مهتمة لشؤون المتقاعدين (والكلام لرئيس رابطة المتقاعدين قسراً)، نناشد رئيس مجلس الوزراء بـ"الإيفاء بوعوده لهم بتعديل القانون وإرجاع السن القانونية للإحالة للتقاعد لما كان عليه قبل 31/ 12/ 2019، وتعويض المتضررين ضحايا هذا القانون بإنصاف وتعديل الرواتب للمتقاعدين تنفيذاً للمادة ٣٦ في القانون، وأملنا به كبير".


ذوو الرقة

من الوثائق التاريخيَّة المهمَّة التي تشير إلى التأسيس في الحكم الإسلامي لحالة الرفاه الاجتماعي كما يقول الباحث الإسلامي السيد عقيل الموسوي والتي سادت في فترة حكم الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) هو عهده لمالك الأشتر والذي يشير فيه إلى سياسة الدولة والحاكم في مختلف القضايا الأمنيَّة والسياسيَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة، والمهم هنا هو جانب الرفاه الاجتماعي حيث يقول عليه السلام (وتعهد ذوي اليتم وذوي الرقة في السن ممن لا حيلة له ولا ينصب للمسألة نفسه وذلك على الولاة ثقيل)، وهذا ما يصطلح عليه الآن بالضمان الاجتماعي الذي مؤداه حماية السلم والأمن الاجتماعيين.

وأضاف الموسوي أن الإمام علي (عليه السلام)، في عهده لمالك الأشتر هي شريحة المسنين، إذ يصفهم الإمام برقة الأجسام لتقدم السن بحيث أقعدهم الضعف عن كسب معيشتهم وهنا يظهر ذلك الواجب الاجتماعي الذي يقع على عاتق الدولة والمجتمع من جديد ليحفظ الكرامات ويوقر الذوات من خلال ضمان حياة كريمة عن طريق، أولاً بث حالة من الوعي في المجتمع بأهمية الرعاية والتوفير لهذه الشريحة، وثانياً من خلال توفير رواتب تقاعديَّة تسد حاجاتهم الأساسيَّة وتحفظ كرامتهم في المجتمع.


السن القانونيَّة

قلت لأختم الموضوع برأي فرسان العدالة، فما كان من المحامي أوس الطائي (عضو مجلس نقابة المحامين العراقيين) إلا أنْ يوضح الأمور بمهنية عالية، إذ قال: "يقصد بالتقاعد إلى السن القانونيَّة التي يتوقف فيها الشخص عن العمل أو ينسحب منها بشكلٍ دائمٍ ويتم تنظيم التقاعد بموجب القانون رقم 9 لعام 2014 بشأن قانون التقاعد الموحد، الذي ينصُّ على حقوق والتزامات المواطنين العراقيين في ما يتعلق بالتقاعد".

وتابع الطائي: "يسري القانون على جميع موظفي دوائر الدولة والقطاع العام والموظفين المؤقتين والمكلفين بخدمة عامة وموظفي الدولة في القطاع المختلط المعينين قبل 9 نيسان 2003، والمتقاعدين في الحالات الآتية: التقاعد بحكم السن، المرض أو الإعاقة، الشيخوخة، الوفاة، ويستحق الموظف التقاعد في إحدى الحالات التالية وفقاً لنص المادة (١٠) من قانون التقاعد الموحد: أولاً: عند بلوغه سن الـ60 وهو السن القانونية للتقاعد مهما كانت مدة خدمته (ما لم ينص القانون على غير ذلك). يجوز للموظف الاستمرار في العمل بعد بلوغه السن القانونية للتقاعد ولكنْ لا يجوز له العمل بعد سن 65 عامًا. ثانياً: إذا قررت اللجنة الطبيَّة المختصة أنه غير صالحٍ لمواصلة الخدمة، وبذلك يكون النص واضحاً بالإحالة على التقاعد بغض النظر عن سنوات الخدمة.