مَعركـةُ الـوجـود

منصة 2023/05/23
...

  آيـة سـعـد


إنها المحطة الأخيرة؛ حيث تنقطع من بعدها جميع الطرق المؤدية إليك والقادمة إليّ، كأن ما بعدها فراغ رمادي نتج عن أرض ممزقة كانت تضج بالخطوات العائدة للشخص نفسه.

حيث هدنة الحرب الأبدية على جدرانها بعدما كانت تزدحم بكتابة الاسم فوق الاسم مع تسابق عبارات الشوق بشكل مُدمر.

حيث لا هزائم أمام عربات القطار الفارغة بعد اليوم بعدما كانت الأرواح تتساقط بشكلٍ مميت في كل مرة، لا يرون في الوصول إلا الفراغ والحزن الشديد.

حيث النجاة من الأمل الواهم والأمنيات المُضيئة بك، بعدما كانت تُكلل بالتلاشي والخيبات في كل مرة نُذرتْ فيها لأجلك..

حيث العزاء ونشر السواد ونهاية الرحلة، كأن الموت على قيد الحياة قد أخذ بأرواحنا إلى شواهد قبورنا، ونحن ما زلنا نقف في الشرفة المُطلة على بعضنا..

حيث تباطؤ الأنفاس ونهاية الهواء كأن كل شيء توقف ورقد بعدما كان يحمل معه بذورًا ليزرعها في حديقتي ويسقيها بالنسمات التي مرت بجانبك ووصلت اليّ..

حيث الغرق المُبتعد عن وسائل الإنقاذ، لعل ذكرياتك تتحلل وتموت كما تحلل الحبر على رسائلك فوصلتي خالية من الحروف كأنها تنبأ بالوداع..

حيث الصمت القاتل والذهن المزدحم كأن نكبة قد حلّت على ملامحي فدمرت ما تبقى مني، ولم يعد بوسعي أن أقول كلماتي الأخيرة لأن الكلام لم يعد ممكنًا بإي حال من الأحوال..

حيث الإستعداد لإعلان الإستسلام والإبتعاد عن الوقوف بروحٍ مُهشمة تلبس قناع الصمود والقوة واللامبالاة..

حيث العبور على حطامنا ومحاولة نسيانه، لكنه كان محفورًا في ذاكرتي بعد أن نسيتُ نفسي وكل شيء عداك.. حيث البحث عن نفسي داخل نفسي كأنني تهتُ وخرجتُ مني للجوء لأي شيءٍ يخلو من ثقل جسدي و عبء ذهني ومنك..

حيث الوحدة المألوفة التي تُهيمن على الأرجاء بأجواءٍ غريبة، كأنها تجر بنا أنا و كتابي وعطرك وذكرانا نحو الهاوية..

حيث لا مكان لروحي في هذا العالم الكبير فزرعت نفسي في التراب عندما لم أجد فرقًا في غيابي عن وجودي ولا اختلالًا عند حزني، لقد تبين لي أن هذا التعب الفقد والضياع  قد مر بي وحدي..

حيث نمو الأعشاب الصغيرة على قبر كلانا كتتويج من الطبيعة لموتنا أخيرًا بعد خوض معركة الوجود والعيش المؤلم.