القاضي والجلاد

الرياضة 2023/05/25
...

علي حنون

التوازن في كل منحى، هو جوهر أي أمر وهو مفصل غاية في الأهمية، يبقى دون سواه الملاذ، الذي يُريده كل من ينشد الفلاح في مسعاه، كما أنه من المعلوم أن كل موضوعة في الحياة مبنية على معادلة، وهذه عادة ما تأتي مرتبطة بأجنحة توازنية، وأي خلل أو علة في اتجاه يجعل الكفة الأخرى ترتفع دون الأولى، وهي حسابات منطقية تخضع لها آراء وتعترف بها وتدين لها بالقبول وجهات النظر المُتباينة حتى لو تقاطعت بصدد سلوكيات هامشية..وهذا الشأن يسري - يقينا - على مضمون كرة القدم، التي تبقى بحكم شعبيتها وتأثيرها، تتقدم ركب الفعاليات الرياضية في كل أنحاء المعمورة وتَتَسيد، نظير رصيدها، بقية الحلقات في المنظومة الرياضية.

وإذا سلمنا بأن من يتعاطون مع شؤون كرة القدم في بلدان العالم يسيرون في تحديد الأولويات واختيار الأهداف لإصابة النتائج الإيجابية وفق معايير موضوعية تجعل من هذه اللعبة فعالية جماعية النتيجة، أي أن تكون أطراف الفريق من إدارة وكادر تدريبي ولاعبين وأيضا الجمهور عوامل تتضافر جميعها لبلوغ المُراد ويُثنى عليهم عند تحقيق النتيجة الإيجابية وتُؤشر عليهم مآخذ في حال تعثر التشكيلة وهو الأمر المنطقي، فإن الحاضر عندنا غير ذلك تماما مع أننا شعب يعشق كرة القدم، إذ ترى الأمور تسير في فلك غير الفلك المُتعارف عليه.

ولا شك فإن النتائج الإيجابية، التي يُصيبها الفريق في أي مناسبة تُجيَّر - واقعا – في حساب الأطراف المُختلفة، وهنا تكون حصة المدرب فيها أسهما قليلة لا تعكس الجهود الفنية الحقيقية، التي يبذلها هو ومساعدوه في حين تسمح بقية الأطراف لنفسها بنيل حزمة كبيرة من الأضواء تحت عنوان الدعم غير المنظور.. نقر بأن الفعالية هي لعبة جماعية في الحضور والجهد والشراكة، لكن ذلك لا يعني أن تُوضع جهود جميع الأطراف في كفة واحدة وتكون متساوية، ذلك أن الواقع يُشير إلى تفاوت وتباين في حجم العطاء بين شركاء المسؤولية.

الذي نبتغي التأكيد عليه هو أن التباين في تحمل التبعات عند التعثر، غالبا ما يُسبب الإرباك في انسيابية العمل ويخلق حالة من عدم الاستقرار في تفكير المدربين، لأن جل اهتمامهم يكون عندها منصبا باتجاه الوقوف على ردود الأفعال، التي يُمكن أن تُبديها الأطراف الأخرى في حال أخفق الفريق.. من هنا فإن المنطق والموضوعية في المسؤولية يتطلبان أن يركن جميع الشركاء من إدارة ومدرب ولاعبين وجمهور إلى الإقرار بأن الجميع يتحمل تبعات الإخفاق طالما أنهم يُسارعون لتقاسم (كعكة) الانتصار.

نعم تأتي مباريات يكون فيها المدرب مسؤولا بدرجة كبيرة عن خسارة الفريق، وهذه الحالة تفرض علينا وعلى المدرب الاعتراف بذلك، لكننا نتحدث هنا عن غالب الأمر والذي نريده أن يكون مبدأ يسري ويحكم التعامل بين أذرع الفريق المختلفة، لنكون مُنصفين أكثر عند الشروع بتقييم أداء الفرق والخوض في تحديد أسباب الإخفاق، ولكي لا نُقدم باستمرار المدرب قربانا للإخفاق، ونكون في ذات الوقت القاضي والجلاد.