ماكلنن.. وأولُ القصيدة

الرياضة 2023/05/29
...

علي رياح

أرادَ الرجل بكل الجدّية والإخلاص اللذين كان يتمتع بهما أن يبني لنا مَجداً، فكانت نهايته الإذلال حين أمعنـّا في (عقابه) برميه في جوف مساحة مُقفرة، أُجبر فيها خلال الصيف القائظ على تدريب فريق من الطلائع والفتوة.

استعيد كل الشهادات المنصفة بحق الأسكتلندي داني ماكلنن، في ذكرى مرور سبع وأربعين سنة على اليوم الذي ودّعَ فيه المنتخب مُسَلّماً العهدة إلى خلفه اليوغسلافي كاكا. بدأ ماكلنن عقده مع اتحاد الكرة العراقي في الثلاثين من حزيران 1975، ولم يكن يمرّ في مخيلته أنه سيمضي شهري أيار وحزيران من عام 1977 مدرباً للصغار خلف مجزرة الكاظمية القديمة قبالة محطة القطار الحالية، فقط لكي يَفي بالتزاماته حتى اليوم الأخير من العقد.

انتقلُ قبل الاسترسال إلى تشرين الثاني 1975، كان الاسكتلندي الذي درّب في 17 دولة، يطلق لسانه لينطق حباً بالعراق حين التقى في الهند الصديق الحكم الدولي فلاح منفي الذي كان مع طاقم عراقي يقود مباراة دولية بين الهند وباكستان في نيودلهي، وكان ماكلنن يقود بطل الدوري هناك، لكنه كرّسَ جُلّ وقته لمرافقة الحكام لمجرد علمه أنهم قادمون من العراق، وفي ساعات التجلي كان يروي لهم قصصاً شتى عن السنة التي أمضاها في العراق، ولم ينس في خاتمتها أن يبعث برغبته في أن يعود للعمل مجاناً في العراق (هكذا أخبرني منفي)، ولم يتلق ماكلنن ردّاً من الاتحاد العراقي، وقد نشرتُ التفاصيل الكاملة في صحيفة (الدستور الرياضي) الأردنية حين كنت أحد كتابها.

تسلّم ماكلنن مهمة تدريب المنتخب وكان في أسوأ أوضاعه تحت قيادة الراحل واثق ناجي، الوحدة التدريبية الأولى له، كانت (مثل الكفر الذي يتصدّر أول القصيدة)، فلقد استدعى (22) لاعباً لم يحضر سوى (8) منهم فألغى التدريب في ملعب الإدارة المحلية في المنصور (مقر نادي الكرخ حالياً) وهدّدَ بالانسحاب ما لم يكن الاتحاد حازماً في التعامل مع اللاعبين المتقاعسين.

لم يحقق ماكلنن خلال مهمته التي ابتدأت في تصفيات دورة مونتريال الأولمبية في طهران (آب 1975) أي لقب مع منتخبنا.. في تلك التصفيات جاء العراق ثانياً بعد إيران، ثم كانت تصفيات آسيا في بغداد وتصدّرنا المجموعة، لكن العراقيين اقتربوا كثيراً من ماكلنن في دورة الخليج الرابعة التي أقيمت في الدوحة 1976 وكانت حافلة بالملابسات والخلافات وراء الكواليس دفع منتخبنا ثمنها يوم الخسارة الرباعية الموجعة أمام الكويت، وقبلها بليلة واحدة كان الجميع يحتفل بعد إبلاغه بالحصول على دار سكنية بصرف النظر عن نتيجة الختام، وهو الإبلاغ الذي توسّـل ماكلنن دون جدوى أن يؤجّل إلى ما بعد المباراة، وأمضى الليلة تلك وحيداً في غرفته يبكي ، فلقد أدرك أن كل شيء سيضيع.

في الثامن والعشرين من أيار 1976، ودّعَ ماكلنن لاعبينا، وهناك من يرى أنه كان يعمل بضمير حي منقطع النظير، ولا غرابة – برغم قصة الدوحة 1976 الحزينة - أن يبقى المدرب الأكثر رسوخاً في عقول العراقيين.