كاظم الحسن
هذا الكتاب يدرس معركة الأنوار ضد الظلمات، بشكل مباشر او غير مباشر.
من خلال التراث العربي الإسلامي وكذلك من خلال التراث الأوروبي العلماني الحديث.
فكما يرى المؤلف - هاشم صالح الذي اختص بترجمة كتب المفكر الجزائري محمد أركون عن الفرنسيَّة، أن فولتير وروسو والموسوعيين، خاضوا معركة الأنوار ضد الظلاميَّة المسيحيَّة، التي كانت مهيمنة على عصرهم، فإن المثقفين العرب يخوضون ذات المعركة، ضد الظلاميين المهيمنين حالياً على برامج التعليم والفضائيات والجوامع والجامعات (أو على قسم كبير منها).
الفرق الوحيد بيننا وبينهم، هو التفاوت الزمني الذي يتراوح بين 200 سنة و300 سنة. وهذه هي مسافة التفاوت التاريخي، بين العرب والغرب.
وعن اهمية القراءة في البلدان الحضارية المتقدمة، يصف المؤلف تجربته في فرنسا: "تجربة الإنسان تتسع بفضل الرحلات الاستكشافية والبعثات العلميّة.
وحتما لولا الحظ، الذي أتاح لي السفر إلى أوروبا - فرنسا تحديدا- والعيش فيها زمنا طويلا، لما اتسعت مداركي ولظلت محدودة من الناحية الفكريّة، بحدود اللغة العربية وسوريا أو حتى العالم العربي ككل.
يعرف ذلك، كل من عاش في أوروبا والدراسة في معاهدها وجامعاتها والتمتع بمكتباتها الكبرى وحرياتها.
كل روّاد النهضة، مروا من هنا: رفاعة الطهطاوي إلى احمد لطفي السيد وطه حسين وجبران خليل جبران ومحمد مندور وعشرات غيرهم.
ولا يستثني هاشم صالح ظلاميته ويقول وماذا عن ظلامياتي أنا؟
ويسترسل.. في أعماق أعماقي أنا بحر من الدياجير الظلاميَّة، أخيرا اضيف أن معركتي ابتدأت، انطلاقا من بيتي وعقر داري، ثم اتسعت دائرتها، شيئا فشيئا لكي تشمل العالم العربي كله.
كانت هيبة والدي الدينيَّة لا تقاوم.
وكل ما أفعله هو محاولة للتخلص من تلك الهيبة الكهنوتيّة اللاهوتيّة، من دون أن أتمكن من تحقيق ذلك تماما.
كل ما استطيع قوله، هو أنني أناضل ضدها وأصارعها منذ نصف قرن وحتى الآن. أحيانا أصرعها وأحيانا تصرعني: إنّها معركة سيزيفيَّة لا تنتهي، إلا لكي تبدأ من جديد. كل ما أفعله من كتابات وترجمات، على مدار السنوات ليس إلا محاولة يائسة وشبه بطوليّة، للتغلب على تلك الظلمات. وحول فلسفة الحاضر يصنف المؤلف، فلسفة التاريخ إلى نظرتين: الاولى تقول إنه ليس للتاريخ البشري أي معنى.
والثانية تقول العكس: أي أن له معنى ما ووجهة محددة ولكنها لا ترى بالعين المجردة. وحدها عين الفلاسفة الكبار تستطيع ان تراها.
الأولى تلخصها عبارة شكسبير الشهيرة الواردة على لسان ماكبث: (التاريخ البشري عبارة عن قصة مروية من قبل أبله، قصة مليئة بالضجيج والعجيج والهيجانات الجنونيّة، ولكن لا معنى لها).
ضمن هذا المنظور، يمكن أن نشعر باليأس أمام مشهد السلوك البشري، إنه عبث بعبث، تفجيرات في تفجيرات، مذابح في مذابح، طوائف ومذاهب مشتعلة... وهذا يعني أن البشر منخرطين في مغامرة عمياء لا يرى فيها العقل بصيص نور ولا أي نظام أو قانون.
يطرح هاشم صالح تساؤلات كثيرة ومنها متى ستنتصر أنوار التسامح على ظلمات التعصب في العالم العربي؟ يقول: لا تسامح من دون تنوير ولا تنوير من دون تسامح. إننا لم نشهد بعد، حركة تنويرية كبيرة كما حصل في اوروبا.
مهما يكن من أمر فإن كبار المفكرين في الغرب والشرق يقولون ما معناه: لقد ظهر مفهوم التسامح في أوروبا كرد فعل على التعصب الديني بعد أن عانت كثيرا من حروب المذاهب المسيحيَّة فيما بينها وبخاصة الحروب الكاثوليكية - البروتستانتية.
ومن القضايا الشائكة التي يطرحها ويناقشها المؤلف هي الفكر العربي وفلسفة الدين.
ويشير الى ضرورة انفتاح العرب على هذه المعضلة ويقترح على جامعاتنا ان تحتوي يوما على كلية لتاريخ الاديان المقارنة، أو علم الأصوليات المقارنة، او فلسفة الاديان المقارنة.
فهذه الاختصاصات الجديدة هي التي ستوسع أفهامنا وبصائرنا.
ومن الملاحظات المهمة التي تجدد اللغة العربية ويدلي بها هاشم صالح هي: اللغة العربية ما بعد الترجمة لن تكون هي ذاتها اللغة العربية ما قبل الترجمة: نحو لغة عربية جديدة وميسرة ومرنة قادرة على هضم الحداثة. نحو الخروج من الأصوليَّة المتقعرة!.