صالح الشيخ خلف
مرة اخرى، اثارت الاضطرابات الاخيرة في كل من ليبيا والجزائر والسودان العديد من الاسئلة بشأن مدى امكانية الشعوب العربية للمسك بزمام الامور والتوجه نحو الاستقرار في اطار الاساليب الديمقراطية المتاحة لتعزيز الامن والاستقرار في بلداننا العربية .
لا يختلف اثنان بشأن دور الاستعمار الذي ابتليت به معظم دول العالم الثالث سواء اكانت في منطقة الشرق الاوسط او القارة الافريقية او شبه القارة الهندية او حتى اميركا اللاتينية، والتركة الاستعمارية الثقيلة التي تركها الاستعمار في هذه البلدان كخلافات الحدود، او الارتباط بزعامات محلية، او دعم انظمة سياسية متحالفة رات ان مستقبل بقائها مرتبط بالعمل مع الخارج عن قصد او عن غير قصد.
لكن ما يمكن الاختلاف بشأنه هو امكانية خلق ارادة وطنية من اجل مأسسة انظمة ودساتير ومجتمعات وطنية قادرة على انتهاج طرق جديدة في الحكم تستند على الثوابت الوطنية . وحتى لا نذهب بعيدا، امامنا التطورات في ليبيا والجزائر والسودان. وهذه الدول الثلاث كان من المقرر لها ان تصيبها رياح التغيير في العام 2010 وما اطلق عليها بالربيع العربي حيث ارسى هذا الربيع دعائمه في ليبيا لكنه وجد صعوبة في اقتحام السودان والجزائر حتى حانت الفرصة بعد تسع سنوات حيث دخلنا مشهدا دراميا لا يعلم اصحابه، كيف ينتهي ؟
ومتى يستقر؟
ومن يقوده؟
حالها حال بقية الدول التي شهدت رياح التغيير قبل ذلك.
في ليبيا، جهات، وليس جهتين متصارعة منذ الاطاحة بنظام القذافي عام 2011 .
تدخلت منظمة الامم المتحدة وارسلت مبعوثين اخرهم الصديق الدكتور غسان سلامة الذي لا يزال يراوح مكانه بعد ان انقسم المشهد الى حكومة تدعي وطنيتها وجيش يقوده خليفة حفتر وبينهما معارك وصلت الى مشارف طرابلس دون ان تتمكن طاولات الحوار من ايجاد مصالحة وطنية بسبب تدخلات اقليمية ودولية صغيرة وكبيرة .
اخرها كان الاتصال المثير للجدل الذي اجراه الرئيس الامريكي دونالد ترامب مع الجنرال خليفة حفتر الذي يريد السيطرة على طرابلس العاصمة، في حين لازال مبعوث منظمة الامم المتحدة غسان سلامة يدعم حكومة طرابلس المهددة من قبل حفتر ! .
هذه صورة مبسطة جدا لما يحدث .
في السودان، قاوم البشير كثيرا من اجل البقاء لكنه في نهاية المطاف وبعد 30 عاما رحل بعدما شهدت البلاد حروبا وتقسيما وبلاء وتجويعا وحراكات سياسية وامنية وتحالفات بعضها شرعية واخرى غير شرعية حتى توافق الجميع على تخريجة سياسية يقودها العسكر بعيدا عن الشعب المخدوع او الذي اريد له ان يكون اخر من يعلم .
في الجزائر، الحالة لا تختلف كثيرا.
الجزائريون يقولون وجود طبقة انتهازية منتفعة فاسدة احاطت بالرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة وهي الان تريد الامساك بالتطورات وتقف وراء العسكر الذي يقول بانه صمام الامان للاستقرار وعدم الفوضى خصوصا وان الجزائر عاشت فترة من الاضطرابات الامنية قادتها فصائل مسلحة حاولت قيادة البلد للفوضى لولا الحكمة التي تحلى بها بوتفليقة انذاك .
الغريب في هذه التجارب الثلاث هو وقوف العسكر في واجهة الاحداث وتنتهي عنده كافة التقاطعات.
والمشكلة هي ان العسكر هو الذي يرسم المعادلات بعيدا عن الاساليب الديمقراطية التي لا يؤمن بها.
لان المؤسسة العسكرية والديمقراطية في كل بقاع العالم خطان متوازيان لا يلتقيان. ومن يفكر غير ذلك لينظر الى نماذج من العسكريين الذين تربعوا على كرسي الحكم . حسنا وصف صديقنا الدكتور عبد الحسين شعبان القبول بالعسكر لتجنب البلدان مما هو الاسوأ، عندما قال “أليست ثمة مفارقة حين نخشى من شيء، ثم نشعر بالحاجة إليه لتدارك ما هو أخطر؟”.
اين تقع المشكلة في بلداننا العربية ؟
هل هي في الثقافة؟
ام في الارادة؟ ام العامل الخارجي؟
ام الموروث الثقافي؟
ام في جميع هذه العوامل مجتمعة؟.
البعض يعتقد ان الجيش يستطيع التعاون مع مؤسسات المجتمع المدني والقوى الحاملة للتغيير من اجل ترسيخ قيم العدالة والديمقراطية .
هذه الدعوة وان كانت تستبطن الكثير من المخاطر كما علمتنا التجارب، لكن تبقى هي الخيار الوحيد القادر على حفظ البلدان من الضياع، للانتقال من مرحلة انتقالية الى مرحلة تسودها الارادة الوطنية في اطار من الحوار الوطني المجتمعي وصولا الى حالة الاستقرار السياسي . ان الحوار الوطني الذي يستند على الثوابت الوطنية بعيدا عن الاجندات الخارجية تبقى الحالة الاكثر فعالية لعودة الاستقرار.
وان كانت مكلفة في بعض الاحيان لكنها يبقى الضمانة لبناء بلد يقوم على ثوابته الوطنية .