حاورتها: ضحى عبدالرؤوف المل
كلنا نرى ما يحدث في هذه الحياة، ولكن لا أحد منا يستطيع الولوج في داخل النفس الإنسانية المؤثرة في هذه الأحداث، ولا معرفة الأسباب التي دفعتها لاتخاذ القرار لفعل أمرٍ ما، والاحساس الذي كانت تشعر به لحظة تنفيذه؛ لذا يمكن القول إن رواية فومبي هي تصوير ما خلف المشهد، لرؤية ما لا يمكن رؤيته في الواقع. وبالتالي استطاعت الروائية بدرية البدري بناء نماذج من الماضي تاريخيا تبعا لأسئلة وجودية معقدة
ما بين الحاضر والماضي إلى حد إعادة التشكيل الفعلي للكثير من الأحداث المثيرة التي رصدتها لتجديد الماضي. فغالبا ما يصنع الروائي التاريخ الخاص روائيا كديباجة بانورامية نقدية الرؤية، لقصص تاريخية أصلية ذات أبعاد أدبية متوخاة شكّلتها ووضعتها في قبضة روايتها "فومبي"، والتي تثير الكثير من التساؤلات التي يتولد عنها عدة استنتاجات. فهل يمكن القول إن فومبي هي إعادة احياء لتاريخ ما جعلته خلف المشهد تصويريا؟ مع الروائية بدري البدري أجرينا هذا الحوار
تختلف الطرق ويتوحد الهدف. هل هذا ما تؤمن به بدرية البدري، ودفعها إلى كتابة رواية فومبي؟
في رواية فومبي لم أكتب ما آمنت به، بقدر محاولتي منح كل بطل من أبطالها المساحة الكافية للدفاع عن نفسه، وحقه في الحياة، وتحقيق أهدافه، وأردت للقارئ رؤية المشهد من كل الزوايا التي قد لا يمكنه رؤيتها بالعين المجردة، أو من زاوية واحدة، ووجهة نظر واحدة، ليتمكن من الحكم الصحيح على كل ما جرى من أحداث، وما زال يجري في هذه الحياة من حولنا.
الروح أو فومبي. وهل إعادة إحياء التاريخ هي تصحيح لرؤى امتدت حتى المستقبل وما زلنا نتصارع؟
فومبي هي الروح التي تسكن هذا الكون، والتي لا يمكننا تجاهلها، أو المرور بجوارها دون الالتفات إليها. وأنا أكتب فومبي، كان الحاضر ماثلا أمامي، ورأيت التاريخ يعيد نفسه في أماكن وأجساد أخرى غير التي مر عليها ذات يومٍ، واكتشفت أن ما ظننته تاريخا ليس إلا وجها أبديا لهذه الحياة، طالما أنه ما زال بيننا هابيل وقابيل، ويمكن للقارئ رؤية الكونغو في أكثر من بلدٍ حولنا، كما سيرى بينغا، وباكامبو، وليون روم، وغيرهم من أبطال الرواية في واقعنا اليوم بكل ما يجري فيه من أحداث.
بدرية البدري بين اليوم والأمس والحكايات التي لايعرفها إلا أصحابها؟
أثناء كتابة فومبي كنت أتوقف كثيرًا، متأملة الحياة بكل ما فيها من أحداث ومآسٍ، ولطالما سألت نفسي: ترى أين أنا؟ ومن أُمِثِّل من أبطالها؟ وهل حقًا أنا بريئة كما أظن؟ وهل عليّ الدفاع عن نفسي لتأكيد ذلك؟ ماذا عن البشر من حولي؟ كم من الحكايات لا يعرفها إلا أصحابها؟ وما الثمن الذي يدفعونه في تلك الحكايات؟
أنهيت كتابة فومبي، ونُشرت، ولكن نظرتي للحياة لم تعد كما كانت قبلها، وأنا أثق أن كل من سيقرأ فومبي سيقف قليلا مع نفسه ليسألها: هل أنا برئ حقا؟
المطاط في القارة الافريقية وحبكة تعيدنا إلى عهد خسرنا فيه الكثير من الأنفس. هل أعتبر هذا تنبيه من خلال رواية؟
منذ النشأة الأولى في هذه الحياة، والصراع بين الخير والشر حاضر حضور الإنسان نفسه، وحقيقة دائمًا ما أتساءل: ما الذي يجنيه الطُغاة من الظلم؟ ماذا لو انتهت كل هذه المآسي؛ كيف سيكون شكل الحياة؟ لماذا لا نتصالح مع الآخر، ونترك له فرصته في الحياة كما أراد له الله؟ لماذا على الأبرياء دفع ثمن أخطاء لم يرتكبوها؟
التساؤلات لا تنتهي، والإجابة الوحيدة التي أجدها واضحة تمامًا: الموت.
الرواية تفرض التساؤل حول أسس النظرية الديمقراطية نفسها بعد العديد من الأحداث التي رصدتها في حبكة تثير الدهشة فعلا لماذا كل هذه الأحداث في فومبي؟
لقد أردت صياغة الحياة في رواية، لذا كان لا بد من كل تلك الأحداث التي تبدو للوهلة الأولى أن لا علاقة لشخصياتها ببعضها، ولكن الأحداث ذاتها تثبت عكس ذلك، بل وتجعل القارئ يربط بينها، مانحةً إياه فرصته للتفكير، والتأمل في ما يقرأه.
ماذا بعد فومبي أو الروح؟
الكاتب لا يهدأ طالما أنه على قيد الحياة؛ لأن كل ما يحدث من حوله يحفّزه للكتابة، ولكني بعد كل عمل أقف مع نفسي لمراجعتها، ومحاولة استرجاعها من سطوة العمل الذي أنهيته؛ فما بالك بعمل مثل فومبي، خضت فيه حربًا، رأيت فيها أبشع الجرائم التي قد تمر على الإنسانية. أنا الآن في استراحة محارب، عاد مُثخنًا بالجراح.